بدائل أخلاق الأرض
عندما يشتهي منطق التاريخ الخبز ونقدم له حجر، ينبغي علينا أن نجهد كي نوضح مدى الشبه بين الحجر والخبز. أصف الآن بعض الحجارة التي تسدّ مسدّ أخلاق الأرض.
إن أحد العيوب الأساسية في منظومة حفاظية تستند كليًا على الدوافع الاقتصادية يتمثل في أن معظم أعضاء مجتمع الأرض ليس لهم قيمة اقتصادية. ومن أمثلة ذلك، الزهور البرية والطيور المغرّدة. فمن بين 22000 من النباتات والحيوانات العليا البَلَديّة native في ويسكونسن، ليس ثمة شك إن كان ما يزيد عن 5 بالمائة منها يمكن بيعها أو التغذي عليها أو أكلها أو استعمالها اقتصاديًا في نواحي أخرى. ومع ذلك، فهذه المخلوقات أعضاء في المجتمع الحيوي، وإذا كان استقرارها (كما اعتقد) يعتمد على سلامتها، فهي تستحق البقاء.
عندما يتعرض أحد هذه الأصناف غير الاقتصادية للخطر، ويصدف أننا نحبه، فإننا نخترع الذرائع لإضفاء أهمية اقتصادية عليه. ففي مستهلّ القرن العشرين افتُرض أن الطيور المغرّدة ستختفي، فسارع علماء الطيور إلى إنقاذها بتقديم أدلّة واهية على أن الحشرات سوف تلتهمنا إذا ما فشلت الطيور في السيطرة عليها. كان ينبغي للدليل أن يكون اقتصاديًا كي يصبح ساري المفعول.
من المؤلم أن نشير إلى هذه المواربات اليوم. ليس لدينا أخلاق للأرض بعدُ، لكننا على الأقل اقتربنا من نقطة الاعتراف بأن بقاء الطيور هو قضية حق حيوي، بغض النظر عن وجود أو غياب منفعة اقتصادية لنا.
وتوجد حالة مماثلة تتعلق بالثدييات المفترسة والطيور الجارحة والطيور آكلة السمك. مرّ زمن عندما كان علماء البيولوجيا يجهدون أنفسهم إلى حدّ ما كي يثبتوا أن هذه المخلوقات تصون سلامة الطرائد بقتلها الضعفاء منها، أو أنها تسيطر على القوارض لمصلحة المزارع، أو أنها تفترس فقط الأنواع "غير المفيدة." وهنا من جديد، كان ينبغي للدليل أن يكون اقتصاديًا كي يصبح ساري المفعول. ففي الأعوام الأخيرة فقط بدأنا نسمع الحجة الأكثر براءة وفحواها أن المفترسات أعضاء في المجتمع، وليس ثمة لأصحاب المصلحة الخاصة الحق في إبادتها لأجل منفعتهم أنفسهم، سواء كانت منفعة حقيقية أو متوهَّمة. ومن سوء الطالع أن هذه النظرة المتنورة ما تزال في طور النقاش. ففي الحقل تستمر إبادة المفترسات بابتهاج: فلنشهد على الزوال الوشيك لذئب الغابات بفعل ترخيص قتله من قبل الكونغرس ودوائر الحفاظ والعديد من الهيئات التشريعية في الولايات.
بعض الأنواع "طردها من الحفلة" خبراء الغابات ذوي الذهنية الاقتصادية، ذلك أنها تنمو ببطء شديد أو أن قيمة مبيعها منخفضة جدًا كأخشاب: الأرز الأبيض والطمَّراق والسرو والزَّان والشوكران أمثلة عليها. أمّا في أوروبا، حيث علم الغابات أكثر تقدمًا من الناحية الإيكولوجية، فقد عُدّت أنواع الأشجار غير الثمينة تجاريًا أعضاء في مجتمع الغابة المحلي ينبغي صونها بذاتها ولسبب مقنع. زد على ذلك أن بعضها (كالزّان) اكتشف أن لها وظيفة ثمينة في تحسين خصوبة التربة. والتواكل بين الغابة وأنواع الأشجار المكوِّنة لها والحياة الحيوانية والنباتية كان مسلّمًا به.
ويكون الافتقار إلى القيمة الاقتصادية في بعض الأحيان صفة لا تخص النوع الحي أو الجماعات فحسب، بل مجتمعات حيوية بأكملها: من الأمثلة على ذلك المستنقعات والسبخات والكثبان و"الصحارى." إن وصفتنا في مثل هذه الحالات تتمثل في إحالة الحفاظ عليها إلى الحكومة باعتبارها ملاذات أو أملاك عامة أو متنزهات. وتكمن المشكلة في أن مثل هذه المجتمعات تتخللها عادة أراضٍ خاصة أكثر قيمة؛ ومن الممكن ألا تستطيع الحكومة تملك أو السيطرة على هذه الأراضي المبعثرة. والنتيجة أننا أَحَلْنا بعضًا منها إلى الانقراض النهائي بمساحات هائلة. فلو أن المالك الخاص ذو ذهنية إيكولوجية، سيفخر في أن يكون أمينًا على حصة معقولة من هذه المساحات بما يضيف التنوع والجمال إلى مزرعته ومجتمعه.
وفي بعض الحالات، يثبت أن الافتقار المزعوم للنفع في هذه المساحات "المهملة" خاطئ، ولكن فقط بعد أن يكون قد تمّ التخلّص منها. إن الاندفاع الراهن لإعادة غمر المستنقعات في أمريكا الشمالية مَثَل وثيق الصلة بهذا الموضوع.
ثمة ميل واضح لدى حركة الحفاظ الأمريكية كي تحيل إلى الحكومة كل الأعمال الضرورية التي يخفق ملاّك الأراضي الخاصّون في إصلاحها. إن التملك أو الإجراءات أو الإعانات المالية أو التنظيم من قبل الحكومات يتغلغل حاليًا على نطاق واسع في الحِرَاجة forestry وإدارة المراعي وإدارة التربة ومستجمِعات الأمطار والحفاظ على المنتزهات والبراري وإدارة المصايد السمكية وإدارة الطيور المهاجرة، وثمة المزيد مما هو قادم. ومعظم هذا التنامي في الحفاظ الحكومي مميّز ومنطقي، وبعضه لا مناص منه. وأمّا أنني لم اُبدِ اعتراضًا عليه فذلك ناشئ ضمنًا عن حقيقة أنني قضيت معظم حياتي أعمل من أجله. ومع ذلك، ينبثق سؤال: ما المدى الأقصى للمشروع؟ هل ستتحمل القاعدة الضريبية تبعاته النهائية؟ وعند أية نقطة سوف يصبح الحفاظ الحكومي، على غرار أفيال الماستودون الضخمة، معاقًا نتيجة حجمه؟ والجواب، إذا كان ثمة جواب، تقدمه أخلاق الأرض، أو أية قوة أخرى، تعزو إلزامات أكثر إلى ملاّك الأراضي الخاصون.