يا حيف ! .. بقلم : مهند

- 1 -

في فنون القصة رسم متقن لمعاناة الشعوب !
في القصة أخبار الحياة تحكي عن مولد الأرض .. عن آدم وحواء .. جبريل وميكائيل .. هابيل وقابيل
في القصة تكمن أعماقنا ! تاريخنا ! حقيقتنا !
نحن الشعوب !
أنا شعب ودولة .. أنا تاريخ وحضارة .. أنا الأرض .. أنا آدم .. أنا حواء
أنا يوسف قد عرفت معنى السجن وذقت مرارة الغياب في الجب .. أنا من سجدت لي الكواكب الإحدى عشر .. والشمس والقمر !
أنا كل نبي وكل حكيم وكل قائد وكل إمبراطور وكل غني وكل عبد وكل فقير !
أكلت التفاحة وخنت العهد لأكون قصة !
أنا القصة ! حبكتها يوم تجسدت شخصين ! كنت قابيل وكنت هابيل !
قتلت نصفي الأول .. مات في داخلي هابيل .. فكنت القصة !

تجزأت يوماً .. فأصبحت شعباً .. أطلقت لنفسي أسماً فكنت الإسكندر ! فكنت القصة !

أنا من قتلت نفسي فبالموت أحيا في نفسي الأخرى .. نفسي الأخرى تحدثت عني وعن ذكرياتي فكنت القصة !
أنا غرقت في البحر واستنجدت بنفسي أن تنقذني وفي الخفاء تعلم نفسي أن إنقاذي هو نهاية القصة .. غرقت من أجل أن أبقى في في الذكريات والكتب .. لم يكن يعلمون أنني أنا من رمى العصا !!! لم يكن يعلمون أنني أنا القصة !

أنا الشعوب وأنا الأديان وأنا الأرض أنا الإنسان
إعذروني لتجزأي .. وإعذروني لشن حروب منطلقها ذاتي ومستقرها ذاتي .. فلو لم أفعل ما فعلت لما كنت القصة !
أنا كبير التجار والصناع وواضع نظريات رأس المال .. وانا الفقير والجائع والمريض .. جزأت نفسي .. لأكون القصة !

جزأت نفسي وكنت في كل مكان وزمان .. ألملم من منعطفات التاريخ أحداثاً فأصنع منها مضادها .. ففي السكون موت وفي التضاد حياة
نفسي قتلت نفسي ونفسي أحييتها .. أتقنت فن الإنفصال لأبرهن لنفسي أنني سأعود يوماً إلى ما بدأت مهما تجزأت ومهما سقطت ومهما ارتفعت

-2-

خرجت يوماً من حلمي
وصنعت ذاتاً واحدة منفصلةً عني !
رسمتها وأتقنت فن الرسم .. كبرت أمام عيني .. أراقبها كيف تبكي .. تأن .. تشكي
كان رسمي عظيماً .. في اللوحة تكمن حياتي
لململت كل ما جزأت نفسي به .. لم أعد أطيق أن أكون شعباً .. أو دولةً .. أو نبياً .. أو فيلسوفاً أو قائداً أو عبداً
لملمت نفسي وصنعت منها جزءاً آخر كما بدأت منذ آلاف السنين !
يا الله كم أتقنت فن الرسم .. كم كانت الصورة نورانية نقية صافية
كم كانت الروح طيبة شفافة
كل الشعوب أختصرتها في صناعتي .. كل الأديان .. كل المحبة .. كل السلام
لم يعد في المكان اتساع لمزيد من قصص الغرق .. والضياع في الجب والسجن في بطن الحوت والنسائم لن تصنع الطوفان
يا الله كم كانت نقية تلك الصورة التي رسمتها

- 3-

غفوت ذات ليلة عن بث روحي في تلك الصورة ! فتمردت الصورة وتجزأت وإنفكت إلى شعوب وقبائل واديان ودول وتاريخ وحقد وكذب وخداع

ضاعت كل ليالي الرسم ضاعت...
وغرقت كل الألوان
وقتلت تلك الصورة في ذاتي أسمى المعاني
قتلت ... واتقنت فن القتل
قتلت لتصنع من نفسها تاريخ وإدلوجيا ودولة !
قتلت لتكون هي القصة!؟
يا حيف ... يا حيف .. يا حيف

منذ بدأت الخليقة ومع أول أنفصال للذات كانت الأنانية
حتى ما نصنع ونتأكد من صناعته تباغتنا الألوان فجأة بسواد كالح !
وماهي إلا هلوسات قد تكون أو إنسلاخ عن واقع مازال يضيق
شكراً لكم أصدقائي فقد منحت الحرية أن اخاطب نفسي فكان ردكم ببوح نقي صافٍ
وليد العزيز شكري لتعقيبك كما شكري لأنك معنا صديقاً وروحاً مميزة
الصديق ابن الضيعة ليست في الكلمات ما يعطي حق فخري بك اخاً وشاعراً عزيزاً
الصديقة صبا الثقافة .. شكراً لما حملته كلماتك من صدق أعتز بتعقيبك

الصديقة شذى عطرت بتعقيبك قصتي المجنونة
لك كل الشكر والتقدير

الصديقة مي
تكسرت كل الأقلام ولم يعد في الألوان إلا الأسود
التوحد مع الذات وعدم الإنفصال هو مرجعنا وحقيقتنا
منذ بدأ الإنفصال ظهر للخير نقيضه الشر وبدأت رحلة طويلة من الصراعات بينهما
مي .. كل الشكر لك القراءة والتعقيب

لكل شيء إذا ما تم نقصان ** فلا يغر بطيب العيش إنسان

هي الامور كما شاهدتها دول ** من سره زمن ساءته أزمان

وهذي الدار لا تبقي على أحد ** ولا يدوم على حال لها شان

يمزق الدهر حتماً كل سابغة ** إذا نبت مشرفيات وخرصان

وينتضي كل سيف للفناء ولو ** كان بن ذي يزن والغمد غمدان

كأنما الصعب لم يسهل له سبب ** يوماً ولا ملك الدنيا سليمان

أين الملوك ذوي التيجان من يمن ** وأين منهم أكاليل وتيجان

وأين ما شاده شداد في إرم ** وأين ما ساسه في الفرس ساسان

دار الزمان على دارا وقاتله ** وأم كسرى فما آواه إيوان

أتى على الكل أمر لا مرد له ** حتى قضوا فكان القوم ما كانوا


هي الحياة هكذا يا صديقي
متضادات ومتناقضات
خير وشر
حب وكره
خلقت وقدرت
ربما تكتسب قيمتها من هذه المتناقضات
فلا يعرف الخير إلا بوجود الشر
ولا يعرف الحب إلا بوجود الكره



تحية لك

الصديق ثبت الجنان
شكراً لتعقيبك العطر
أما الخير في زحمة الشر فقد ذابت كل ممتلكاته .. بل حرقت
ما أصعب القتل خنقاً برائحة الياسمين !
شكراً لك ولك كل التحية