************************************
******************
الفلاسفة لا يرحلون هباء.. هم يختارون الطريقة التي يموتون بها!! تلك هي الرسالة التي يقدمها الفيلسوف الإنجليزي "سيمون كريتشلي" في كتابه الجديد (كتاب الفلاسفة الراحلين)، يري كريتشلي أن طريقة موت الفلاسفة يمكنها أن تخبر الكثير عن أفكارهم، ومنهجيتهم، أي أن الطريقة التي يموت بها الفيلسوف تعكس الأفكار التي آمن بها وعاش من أجلها، وربما مات دفاعا عنها، يعتمد سيمون في أطروحته علي بديهية الفيلسوف اليوناني (سيسرو Cicero) أن تتفلسف هو أن تتعلم كيف تموت!". وهو ما يعني أنه إذا أراد الفيلسوف- أو أي منا- أن يفهم معني الحياة، فعليه أن يسعي لفهم واستكشاف ماهية الموت.
يقدم كريتشلي في كتابه الجديد قصة موت 190 فيلسوفاً من قديم الأزل الي العصر الحديث، أحد هؤلاء الفلاسفة وهو اليوناني "ديوجين" صاحب المدرسة الكلبية الذي كان يحتقر الثروة والقوة ويزدري الملذات الحسية وجميع متع الحياة التي يتنافس عليها البشر ويقتتلون. آمن ديوجين بهذه الأفكار وسار علي نهجها طوال حياته، فكان يتناول أردأ أنواع الطعام، ويمشي في شوارع أثينا حافي القدمين مرتديا ابسط الملابس، حاملا بيده عصاه وعلي ظهره مخلاته، انتحر هذا الفيلسوف وفقا للرواية كاتما أنفاسه! وعلي العكس من ذلك فقد مات "جوليان أوفري دو لاميتري" Julien Offray de La Mettrie أحد رواد المدرسة المادية وفلاسفة التنوير في فرنسا، والذي كان يمجد الملذات الحسية، مات بعد تناوله كميات ضخمة من الباتيهات المحشوة الدسمة، كان السفير الفرنسي تيركونيل قد أرسلها له كنوع من الشكر والامتنان لأنه عالجه من مرض ألم به، فما كان من لاميتري إلا أن التهمها جميعا، فأصيب بالحمي والهذيان، ومات فورا.
أما الفيلسوف اليوناني "هيراكليتس" Héraclius الذي كان يعتقد ان التغيير هو عصارة الكائن، مات حسب الرواية غرقا في روث البقر! بينما مات الفرنسي"فرانسيس بيكون" Francis Bacon صاحب الطريقة التجريبية في التفكير، نتيجة لفلسفته تلك : ففي محاولته لملاحظة آثار التبريد، قام بحشو دجاجة بالثلج في يوم شديد البرودة، فأصيب بالالتهاب الرئوي! في حين مات "لودويج ويتجنشتاين" الذي كان يري ان الحياة والموت يسيران علي نفس المنحني الوقتي، مات في اليوم التالي لعيد ميلاده! بعد أن أهداه صديقه بطانية كهربائية هدية عيد ميلاده أودت بحياته."فولتير" Voltaire الذي حارب الكنيسة الكاثوليكية ورجال الدين الذين كانوا يسيطرون علي عقول الشعب الفقير والجاهل وينشرون أفكار التعصب في كل مكان، أعلن من علي فراش الموت انه يريد أن يموت كاثوليكيا، وعندما سأله الكاهن "هل تؤمن بالمسيح؟"
قال فولتير الذي كفر بألوهية المسيح متوسلا: "أرجوك سيدي لا تتحدث بأمر ذلك الرجل أكثر من ذلك، واتركني أموت في سلام !".وهيجل، أهم مؤسسي حركة الفلسفة المثالية الألمانية والفيلسوف صاحب نظرية الجدلية وتناقض الفكر الذي يولد حركة التاريخ، كان موته أيضا به تناقض، إذ قال بينما هو علي فراش الموت يحارب الكوليرا: "هناك شخص واحد فقط في هذا العالم فهمني... وحتي هو لم يفهمني!!""
"فيثاغورس" Pythagoras الفيلسوف الاغريقي وصاحب نظرية (مبرهنة فيثاغورث) الهندسية الذي كان وفقا للأساطير يجبر أتباعه من دارسي الهندسة علي عدة أمور منها الامتناع عن أكل الفول، مات لانه رفض عبور حقل الفول فلحق به أعداؤه وفتكوا به.
وكريتشلي؛ مؤلف الكتاب؛ هو رئيس شعبة الفلسفة في المدرسة الجديدة للبحوث الاجتماعية بجامعة اسكس بلندن.وهو فيلسوف ما بعد وجودي، قام بتأليف عدد من الكتب في الفلسفة منها الكتب منها: (مطالب بلا حدود): أخلاق الالتزام وسياسة المقاومة (أخلاقيات التفكيك) و(الأخلاق- السياسة- الذاتية). وهو رئيس (جمعية نيكرونوتيكال الدولية) وهي مجموعة طليعية تحاول وتجرؤ علي استكشاف وفهم الموت عقيدتها الأساسية كما جاء في البيان التأسيسي الأول لها والمنشور علي الموقع الالكتروني للجمعية "ان الموت ما هو إلا فضاء ننوي اقتحامه ووضعه علي الخريطة واستعارته وسكنه في نهاية المطاف.". إذن فالموت بالنسبة لكريتشلي صاحب الكتاب الذي نحن بصدده ما هو إلا بوابة لتجاوز الأفكار المحدودة والوصول الي الأفكار الأكثر تعقيدا ونضوجا واكتمالا.ويري كريتشلي أن الاقتراب من ومحاولة فهم الطرق التي يموت بها الفلاسفة هي إحدي الوسائل التي يمكن بها معالجة فوبيا الموت.