أميرتي الجميلة .... جورانو !!!! ...بقلم : ناصر عبد المجيد الحريري
أميرتي .. الجميلة .. جورانو ... عنوان ... اختارته غالية مغتربة عشقت حوران .. دون أن تزورها ... غالية حالمة بروح الشرق و هي في بلاد الاغتراب،
متشحة بالبياض في ليالي السفر البعيد،اختارته عاشقة لكل خطاب بين النقاء والأصالة فوضعت لمستها فوق جسد حوران تتلمس امتداد التاريخ وعبق الماضي .
سهلة ممتنعة.. رفيقة بأهلها كريمة عليهم.. عصيّة على كلّ غريب يتجرّأ ويحاول لمس تضاريس جسدها الممتدّ على طول الجنوب السّوري.. حيث مرّ الرّسول الكريم (ص) مع عمّه أبي طالب ونزل ركبُه في (بصرى) معطّراً ترابها وصولاً إلى منطقة القدم في جنوب دمشق.
أميرة غير متوّجة ممّا يحزّ في نفسها و يؤثر في طيبة قلبها ويعكّر خضرة عينيها حيث تمتدّ عرائش عنب لا نهاية لها..
باشان، باثان، حوريم، أورنتس و جورانو... كلها أسماء أطلقت على حوران، السّهل المحنّاة أرضه بتربةٍ لا مثيل لها في الخصوبة، الكرماء أهله، المحبون للعلم والأرض أبناؤه.. فالطبيعة تأبى ألاّ تصبغ أبناءها بصفاتها، ويأبى سكان حوران إلاّ الطّيبة والخير الذي يميّز السّهل الجميل.. الذي بات يتفوّق على أشهر المناطق السّورية في إنتاج الزيتون..
و حوران ليست الحدود الطبيعية لمحافظة درعا الحالية كما يظنّ البعض ، وإنّما هي كما يعرّفها الجغرافيون تمتدّ من جنوب دمشق حتى معان جنوب الأردن .ومن الجولان حتى غرب اللجاة وجبل العرب وقد ذكر ياقوت الحموي في معجمه ( أن حوران هي كورة واسعة من أعمال دمشق من جهة القبلة وذات قرى عديدة ومزارع وحراري وتشتهر بصناعة الخمور وزراعة الكرمة ) .
وقد ذكرها امرؤ القيس ،وجرير الخطفي والفرزدق والحطيئة والشاعر العباسي العتابي وحافظ إبراهيم والشاعر الكاظمي و الشاعر القروي ( رشيد سليم الخوري ) .
وحوران هي المنطقة الواقعة جنوب سورية على شكل هضبة منخفضة الوسط ترتفع فوق سطح البحر بين ( 500- 600 ) م تنحدر نحو وادي اليرموك ويفصلها عن غوطة دمشق الكسوة وتتبع المناخ المتوسطي المعتدل ( حار صيفا – المعتدل شتاء ) ويمكن لنا أن نقسم حوران نظريا إلى قسمين يفصل بينهما خط دمشق درعا .
وتعد منطقة حوران الغربية من أخصب المناطق فيها وادي اليرموك ووادي الهرير ووادي الرقاد ووادي العلان وينابيع المزيريب وعين البصل وشلالات تل شهاب وزيزون . وتتميز درعا بآثارها حيث تعد من أقدم المدن والتي كتب عنها فرعون مصر ( أمنوس الثالث ) باسم ( أتارعا ) و ( عشتروت ) جنوب بلدة نوى و ( فرنيم ) المسماة ( الشيخ سعد ) وبصرى وإزرع والمسمية والصنمين والطيبة وتل شهاب والأشعري .
وقد سكن حوران الساميون ( الأموريون ) والكنعانيون والآراميون ألدّ أعداء العبرانيين واليونان والرومان ثم الأنباط ولعبت حوران دورا هاماً ، فكان منها القائد ( فيليب الحوراني ) أما العصرين الجاهلي والإسلامي فقد كانت حوران سوقاً كبيراً ترتادها القوافل من الحجاز كسوق دير أيوب وسوق بصرى وسوق أذرعات . وعلى بطاحها الغربية قامت أشهر معركة فاصلة في التاريخ هي معركة اليرموك وأصبحت الجابية مقر القيادة العربية في العصر الأموي وإن كان الصليبيون قد أذاقوا أهل حوران أصناف الظلم عندما احتلوا مدينة نوى قادمين من الساحل .
وتعدّ حوران آخر منطقة دخلها الأتراك و أوّل منطقة رحلوا عنها وكذلك فهي آخر منطقة دخلها الفرنسيون وأوّل منطقة خرج منها الفرنسيون .
كما تعد محافظة درعا من المحافظات الغنية بالمواقع الأثرية التي تعود إلى أزمنة وحقب تاريخية مختلفة نظراً لتعاقب الحضارات على هذه المنطقة وهي البوابة الجنوبية لسورية ومن الأمثلة على ذلك:
نصيب: وهو مركز أثري غنّي بالأوابد التاريخية العائدة إلى الألف الثالث قبل الميلاد
المتاعية: إرث حضاري زاخر بالمعابد والمدافن المزيّنة بالرسوم.
كما تجد فيها الأبنية الرّومانية والإسلامية... وهي جسرٌ يربط بين الماضي والحاضر ومن أمثلتها: قرية المياذن وبلدة الجيزة حيث الأبنية الأثرية والقطع الحجرية والأعمدة والتيجان والجسر الروماني القديم المقام على وادي الزيدي. ولعل من أهم آثار البلدة هي الكنيسة التي تقع في الطرف الشرقي من البلدة.
ويشاهد الدّاخل إلى قرية غصم الواقعة إلى الشّرق من درعا آثاراً رومانيةً وبيزنطية وإسلامية كبقايا الكنائس والأبنية والمساجد والأبار والقناة الرومانية التي تعدّ قمّة في الفنّ الهندسي من حيث طريق الجريان وصولاً إلى المصبّ في بركةٍ رومانيةٍ أيضا.
أراني أسهب في الحديث وأكاد أظنّني لن أنتهي فحوران تزخر بتلك الآثار التي من أشهرها بصرى التي كانت عبر التّاريخ (مدينة حوران) وهي في منتصف المسافة بين عمان ودمشق؛ وهي اليوم آثارٌ قرب مدينة درعا التّي احتلت محلّها حتى ظنّ بعض النّاس أنّها هي.
ها أنا فتحتُ لكم إلى بعض التّاريخ باباً ربّما لم تفكّروا سابقاً بولوجه؛ لكنّي آمل أن تتابعوا المسير والتّجوّل في حوران وتتعرّفوا عن قربٍ على هذه الجنوبية الوادعة ... آملاً بإضافاتٍ أخرى لمقالتي البسيطة التّي لم تستطع أن تقدّم سوى الجزء اليسير حول أميرةٍ تدعى: جورانو.
موضوع: اميرتي الجميلة ... جورانو .... حوران 
09.02.09 2:07
