[size=9][size=12][size=24][color=red][color=red]يُعتبر قانون حمورابي من أكمل التشريعات التي ظهرت في الهلال الخصيب ، وإن لم يكن من أقدمها ، وهو سابق على التشريع الموسوي والشريعة المانوية ، وقوانين مصر الفرعونية .. ماموقع العائلة في هذا التشريع ؟ هذا ما يتناوله هذا البحث بالتفصيل .
بقي الاعتقاد سابقاً حتى العام 1947 أن تشريع حمورابي هو أقدم التشريعات المدونة في التاريخ ، إلا أن هذا الاعتقاد بدأ يتغير بعد أن تم العثور على مدوّنات تشريعية أقدم منه وسابقة عليه ، ففي العام 1948 أعلن عن اكتشاف شريعة لبت عشتار التي سبقت تشريع حمورابي بنحو مائة وخمسين عاماً على الأقل ، وهي مدونة باللغة المسمارية ، فك رموزها فرنسيس سيتل أمين متحف جامعة بنسلفانيا الأمريكية . وتتألف من مقدمة وخاتمة وعدد مجهول من المواد الأحكام لم يسلم منها سوى سبع وثلاثين مادة ، ثم لم يلبث في العام نفسه أن أعلن عن اكتشاف شريعة أقدم منها اثر التنقيبات التي أجراها أمين المتحف العراقي الأستاذ " طه باقر " في تل البابلية والمنسوبة إلى الملك " بلالاما " الذي يُـرَجَّح أنه عاش قبل " لبت عشتار " بنحو سبعين عاماً . وقد استنسخها وترجمها الباحث المسماري المعروف " البرت جوتزه " وتتألف مثل سابقتها من مقدمة وأحكام قانونية ، وسُــميت " أشنونا " نسبة إلى المملكة التي يقع " تل حرمل " ضمنها ، وعُـدّت المدوّنة الأقدم حتى عام 1952 ، عندما تم اكتشاف الشريعة التي أصدرها الملك السومري أور نمو مؤسس السلالة الشهيرة المعروفة باسم سلالة " أور " الثالثة والذي بدأ حكمه عام 2050 ق.م أي نحو ثلاثماية عام قبل الملك البابلي حمورابي . وتشمل على مقدمة وعدد من الأحكام والمواد وكان أبرز ماتتميز به عن الشرائع التي سبقتها ، تخليها عن قانون القصاص ( العين بالعين والسن بالسن ) وأخذها بمبدأ التعويض المادي عن الضرر والايذاء .وهو المبدأ الذي سارت عليه التقنيات الحديثة . وبالنظر إلى الأهمية التاريخية لهذه المواد الثلاثة نقدّم ترجمتها الحرفية المنشورة في مؤلف " صموئيل كرومر " ألواح سومر
_ " إذا رَجُــل ضد رَجُــل ... بآلة ... قطع القدم فعليه أن يؤدي 10 شيقلات من الفضة " .
_ " إذا كسر رَجُــل عظام رَجُــل آخر بالسلاح ، فسوف يؤدي " منا " واحداً من الفضة " .
_ " إذا قطع رَجُــل أنف رَجُــل بآلة " جيشو " فسوف يؤدي 3/2 المنا من الفضة " .
ويعلّق المؤلف كرومر على هذه الشرائع بقوله : " كم سيظل أور _ نمو محتفظاً بمكانته على أنه أوّل مُشـــرّع في العالم ؟ المرجّح أنه لن يظل زمناً طويلاً فهناك امارات وأدلة على أنه عاش في بلاد " سومر " مشترعون قبل أن يولد " أور نمو " بأزمان طويلة . وسواء أكان عاجلاً أم آجلاً ، فإن المنقـّب المحظوظ هو من يعثر على نسخة من شريعة تسبق شريعة " أور _ نمو " بقرن أو أكثر من الزمن "
الوحدة التشريعية في الهلال الخصيب
إن مايمكن استخلاصه من التنقيبات الأثرية أن الحضارة السورية السومرية هي أقدم الحضارات وأعرقها في العالم .ففي سومر اكتشفت الزراعة ، وأنظمة الري والسدود والتقويم الزراعي وأعمال البستنة وفي سومر تم اكتشاف المحراث والدولاب بعد أن سبقه اكتشاف المعادن بدءاً بالبرونز . وفي سومر اكتشفت الكتابة عم 3500 قبل الميلاد ، وهي أول كتابة معروفة في التاريخ ، وفي سومر كذلك تم إيجاد النظام الستّـيني ، وفي سومر عرفت _ الديموقراطية _ نفسها بظهور أول برلمان في التاريخ يضم مجلسين : مجلس الشيوخ ومجلس العموم .
وفي سومر ظهرت أول الشرائع المدونة في تاريخ الانسان .
ومن سومر نقل العبرانيون ، عن طريق الكنعانيين والآشوريين والحثّيين ، تشريعهم الموسوي وأسطورة الخلق والفردوس والطوفان والبعث . وفي سومر طرح الانسان أول سؤال فلسفي عن أصل الأشياء ونظام الكون والحقيقة والمعرفة ، وفي سومر تم تأسيس أول دولة مدينية في التاريخ . كل هذا أو سواه الكثير الكثير ، جعل المؤرخ " صمؤيل كرومر يشهد بأن ** التاريخ يبدأ في سومر ** )))))
أما تأسيس السومريين لدولة المدينة ، بصرف النظر عن عدم عنايتهم بتشكيل دولة قومية ، تجمع شتات دويلات المدن التي عاشت في شقاق دائم وحروب دامية في مابينها ، فإنه يعبّـر عن نزوع نفسي أصيل لاقامة المجتمع المنظم الذي من أولى خصائصه سنّ تشريعات مدنية ناظمة للحياة الاجتماعية _ الاقتصادية _ السياسية ، وهي التشريعات التي توارثتها وطوّرتها الدولة السورية الأكادية والكلدانية والبابلية والآشورية والكنعانية والحثية والآرامية والأموية والعباسية ، وتدل كلها على اتجاه واحد نحو إقامة الوحدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الهلال السوري الخصيب ، وتجعلنا نفهم الحروب فيما بين هذه الدول فهماً جيّداً يخالف الفهم المستمد من التحديات غير الصحيحة ، فهذه الحروب هي حروب داخلية ، وهي نزاع على السلطة بين قبائل الأمة الآخذة في التكوّن والتي استكملت تكوّنها فيما بعد ."
إن محاولات التوحيد القومي لم تنقطع في التاريخ السوري بدءاً من عام 2371 قبل الميلاد على يد ملك (أوروك ) " لوغال زاغيري " وشملت دويلات سومر وكامل بلاد الرافدين ، وتكاملت على يد " صارغون الأكادي " وشملت فضلاً عن بلاد الرافدين " بلاد مهبط الشمس حتى نهايتها " أي أمور ( سورية ) حتى البحر الغربي ( المتوسط ) وجبال الفضة ( طوروس ) بما في ذلك كيليكيا . كما عُثر على أختام أسطوانية في ( قبرص ) تعود لعهد أكــاد ، بحيث أصبحت " أكــاد " عاصمة قومية لدولة الهلال الخصيب الممتدة من (( طوروس إلى الخليج ومن زاغروس إلى البحر المتوسط بما في ذلك قبرص . )) ورثت بابل عن سومر وأكاد المحاولات في إقامة الدولة القومية الموحدة ، واستطاعت الأسرة العمورية الأولى تحقيق ذلك ، فبرز الملك حمورابي ( 1792 _ 1750 ق . م ) كمحرر وموحّد ومشـرّع لهذه الدولة . وتمضي المحاولات التوحيدية قدماً في عهد الدولة الآشورية ، حيث تشير مدوّنات ملوكها الى إقامة هذه الوحدة أكثر من مرّة .
--------------------------------------------------------------------------------
Abou Esber05-01-2003, 06:53 PM
تم اكتشاف تشريع حمورابي عام 1902 في سوس (وقد نقله إليها ملك عيلامي) من قبل بعثة أثرية برئاسة العالم الأثري "مورغان"، وهو مدوّن بالحروف المسماريةعلى اسطوانة حجرية من الديورايت. ارتفاعها متران وخمسة وعشرون سنتمتراً، في أعلاها قاعدة منقوشة تمثل الإلهة (ساماس) -الشمس- ربة الوحي والحكمة، مُـثَـقِّـفَـة حمورابي وملهمته، وهي تملي عليه أحكام شريعته العادلة، والملك مصغٍ إليها بكل وداعة واهتمام. تلي ذلك ديباجة تشتمل على أسماء الملك وأتباعه، تعقبها الأحكام والمواد القانونية البالغة مائتين واثنتين وثمانين مادة. غير أن على الحجر فراغاً يتناول أربعة أعمدة أو أربعين مادة، والباقي مائتان وخمسون مادة حُـلَّـت رموزها جميعاً وتُرجمت.
من دراسة مضمون المواد القانونية، يتبين أن تشريع حمورابي هو تشريع مدني وجزائي في آن، والمواضيع فيه تتتالى بدون تنظيم، إذ يبدأ بعقوبة السحر فإغواء الشهود برشوتهم، ثم ينتقل إلى أحكام تتناول ضباط الملك والرجال القائمين على خدمته، ثم يتخطى ذلك إلى أحكام تتعلق بحراثة الأرض، ثم إلى العلاقات بين التجار والمستخدمين، ثم يقفز فجأة إلى الحق العائلي، فيبحث في أحكام الزواج والبائنة (المهر) والتركات والتبني (المواد من 128 إلى 191 ) ثم إلى أحكام الطلاق والإرث. أما بقية المواد فتتناول الضرب والجرح والإيذاء، تليها حقوق الأطباء والمهندسين... والعبيد والأرقّاء الذين لم يعدموا أيضاً مواد قانونية توليهم بعض العناية من تدريب وتأديب.
ومن مقارنته بالتشريع الموسوي يتضح أن تشريع حمورابي أكثر شمولاً وتقدماً، وعند غوستاف لوبون أن الشريعة اليهودية بأسرها ليست إلا وجهاً بسيطاً للنظام الكلداني فيقول : "فما كان لمبادىء كهذه أن يتمثلها ذلك الشعب اليهودي الصغير المتعصّب الأناني الصلِف المغرور المفترس" ثم يقول : "..إن الشعب اليهودي لم يكن غير ذي نصيب ضئيل جداً في شَــيـْدِ ذلك البناء القديم، غير أن القرون بلغت من تجسيم شأنه الظاهر ما لا تبصر معه سوى أناس قليلين، حتى بين أشد الناس ارتياباً، تحرّروا من سلطان الماضي فاستطاعوا أن يضعوا بني إسرائيل في مكانهم الصحيح" . ويعجب "لوبون" من أن "أوروبة المسيحية ظلت زمناً طويلاً تقرأ كتب مؤرخي اليهود بالروح التي أرادها هؤلاء المؤرخين، وما ودَه أولئك المؤرخون، من تمويه على معاصريهم ارتضاه أمثال أوغستين وبسكال وبوسويه وشاتوبريان أكثر من ارتضاء ذلك الشعب الجاهل المتعصب الذي حاولوا إقناعه" . ثم ينتهي إلى القول بأن "تأثير اليهود في تاريخ الحضارة صفر... وأن اليهود لم يستحقوا بأي وجه أن يُـعَـدّوا من الأمم المتمدنة فلا أثر للرحمة في وحشية اليهود... فكان الذبح المنظم يعقب كل فتح مهما قلّ، وكان الأهالي الأصليون (الكنعانيون) يوقفون فيـُحكم عليهم بالقتل دفعة واحدة فيُبادون باسم يهوه من غير نظر إلى الجنس ولا إلى السن وكان التحريق والسلب يلازمان سفك الدماء" ، بينما يشهد شاهد من اهله، وهو المؤرخ اليهودي "صموئيل نوح كرومر" أن العدالة كانت رائد التشريع في سومر القديمة" .
أما بالمقارنة مع "التشريع الروماني الأصلي" فيقول البروفسور RAYMOND MONNIE لو قارنا قانون الألواح الاثني عشر بشريعة حمورابي التي صدرت قبل ألفي عام من ظهور المسيح لوجدنا فروقاً أساسية، فالتشريع الروماني من الناحية الإقتصادية يبدو منحطاً ومتخلفاً عن شريعة حمورابي، فالأول وضع لمجموعة من الملاكين ، وسكت عن أحكام العقود والإلتزامات ، بينما كانت شريعة حمورابي ، على العكس من ذلك ، مجموعة أحكام قانونية لمجتمع تجاري متحضر خصصت فيه أحكام مطولة للعقود والإلتزامات.
يتبع