عديد من الروايات نسجت حول هذه الحرب منأهمها: ذات يوم دعيت هيرا وأثينا وأفروديت إلى عرس ثيتيس على بيليوس، ولم تكن إيريسـ إلهة النزاع ـ قد دعيت إلى هذا العرس، فحنقت وألقت بين المدعوين ـ لتثير بينهمالنزاع ـ تفاحة ذهبية مكتوب عليها «للأجمل» وفي الحال قام نزاع بين الإلهات الثلاث: أيُهن أحق بهذه التفاحة؟
وحسما للنزاع قرر زيوس أن يلجئن إلى تحكيم أجمل البشرمن الرجال، وهو باريس بن بريام ملك طروادة، وكان يعيش إذ ذاك فوق جبل أيدا. وعلىذلك انتقل إليه هيرميس وأعلن إليه النبأ وأحضر أمامه الإلهات الثلاث. وحاولت كلمنهن أن تستميله إلى جانبها ليحكم لها بالتفاحة فوعدته هيرا بالعظمة الملكية،ووعدته أثينا بالنصر في الحرب، ووعدته أفروديت بأجمل نساء العالم لتكون زوجة له،فحكم للأخيرة بالتفاحة.
وبمعونتها تمكن من الفرار خلسة بهيلين زوجة مينيلاوس ـالأخ الأصغر لاجاممنون ملك أرجوس ـ وبذلك جلب على نفسه عداء الإلهتين الأخريين، كماأثار حنق جميع خطاب هيلين السابقين، الذين أقسموا على احترام اختيارها لأي منهمليكون زوجا لها، والقيام في وجه كل معتد أثيم تخول له نفسه النيل منها أو من زوجها. وهكذا أعلنت حرب طروادة. وهكذا أيضا تحققت مشيئة زيوس، الذي رأى أن الجنس البشرييتزايد بصورة مذهلة، حتى أثقلوا الأرض بحملهم.
ومن ثم قرر إنقاص عددهم بهذهالحرب المدمرة. وأعدت السفن وانتظمت صفوف الجنود وتأهبت للرحيل تحت قيادة أجاممنونالعظيم. ووصلت أخبار هذا الجيش العرم إلى طروادة، فهب رجالها البواسل يستعدونلمجابهة العدو، ودقت الطبول، ودوى النفير، ووصل جيش الإغريق، وضرب حصارا منيعا حولأسوار طروادة، وتوالت المعارك، وكانت الخسائر في كلا الجانبين فادحة، وطال الحصارواستمر عشر سنوات مليئة بالخطوب والأهوال.
و«الإلياذة» ملحمة هوميروس العظيمةتصف أهوال الفترة الأخيرة من هذه الحرب الضروس، وقد قسمها علماء الإسكندرية إلىأربع وعشرين أنشودة.
بدأ هوميروس الأنشودة الأولى بالدعاء لربات الشعر والتوسلإليهن أن يلهمنه الشدو والغناء، ثم أخذ في سرد روايته، وهذه خلاصة لأهم الموضوعاتالتي عالجها: لقد نشب خلاف بين أجاممنون ـ رئيس الحملة الإغريقية ـ، وأخيليوس ـقائد جنود الميرميدون الشجعان ـ وذلك بسبب تصميم أجاممنون على أخذ بريسيس، وهي إحدىالسبايا التي كان قد وهبها الإغريق لأخيليوس مكافأة له على شجاعته.
وذلك بدلا منسبيته خريسيس، ابنة كاهن الإله أبوللون، التي أصر الإغريق على ردها لأبيها، بناءعلى اقتراح العراف كالخاس، حتى ينزاح على جنودهم ذلك الوباء الذي فتك بهم تسعة أياممتوالية، وقد غضب أخيليوس لذلك وأعلن توقفه عن الحرب هو وجنوده، وطلب إلى أمه تيتيسأن تثأر له من الإغريق، فاستعطفت زيوس ليحقق لها غرضها، واستجاب رب أوليمبوسلدعوتها، ووعدها بتنفيذ رغبة أخيليوس وأكد لها أن الإغريق سيدفعون الثمن غاليامقابل الإهانة التي ألحقوها بولدها.
لم يكترث أجاممنون بموقف أخيليوس وامتناعهعن الحرب، وأخذ يستعد للاستيلاء على مدينة طروادة، وفي تلك اللحظة يظهر باريسويتحدى الإغريق فيقبل مينيلاوس التحدي، ويتفق الجانبان على أن يكون في هذه المبارزةتقرير مصير الحرب، فإن تغلب مينيلاوس استرد هيلين وأخذ تعويضا عن الخسائر التي لحقتبالإغريق، وإن انتصر باريس عاد الإغريق إلى بلادهم فورا، وبدأت المبارزة وكاد باريسأن ينهزم وأوشك على الهلاك، لولا أن تدخلت أفروديت.
وحملته من ميدان القتال إلىمدينة طروادة وأنقذته من موت محقق. وعبثا حاول مينيلاوس الاهتداء إلى عدوه الذياختفى فجأة. وإذا هو يبحث عن غريمه، إذ دفعت الإلهتان هيرا وأثينا بإنداروس أحدحلفاء طروادة أن يرمي مينيلاوس بسهم نافذ في جسمه، وبذلك خرقت الهدنة التي كان قدارتضاها الفريقان، ونشبت أول معركة صاخبة يصفها الشاعر في الجزء الأخير من الأنشودةالرابعة وكذلك الأناشيد التالية حتى الثامنة.
وإننا لنشعر أثناء وصفه بأن كفةالطرواديين كانت راجحة وأن خسائر الإغريق كانت فادحة؛ لأن زيوس أراد أن يحقق وعدهلأم أخيليوس، فألْحَق بالإغريق خسائر جسيمة. عندئذ أحس الإغريق بخطئهم، وأخذأجاممنون يلوم نفسه على ما قدمت يداه في حق أخيليوس، فأرسل بعضهم القواد ليعرضواعليه صلحا كريما ويسألوه الصفح والمغفرة، ولكنه رفض اعتذارهم وردهم خائبين.
يجمعالإغريق شملهم مرة ثانية ويستمرون في الحرب وتنشب بينهم وبين الطرواديين معركةحامية يصفها الشاعر وصفا تفصيليا مسهبا في خمس أناشيد من 11 إلى 17 نلاحظ فيها أنالنصر يحالف الإغريق أحيانا، عندما يساعدهم بوسيدون وهيرا، وأحيانا تحل بهمالهزيمة، عندما تتوقف الآلهة عن مساعدتهم سمعا وطاعة لأمر سيدهم الأعلى زيوس،وعندما أخذت خسائر الإغريق تزداد وأوشكوا على التقهقر نحو سفنهم، نجح باتروكلوسصديق أخيليوس الحميم أن يستأذن البطل المغوار ليسمح له بالاشتراك في القتال معجنوده مستخدما عدته الحربية.
وخرج باتروكلوس على رأس جنود الميرميدون، وكانتخوذة أخيليوس وحدها كافية لإلقاء الرعب في قلوب الطرواديين ودفعهم إلى الفرار،فاضطرب نظامهم وسقط منهم أعداد غفيرة. كان المفروض أن يكتفي باتروكلوس بهذا القدرمن النصر ويعود أدراجه حسب تعليمات صديقه أخيليوس، غير أن خمرة النصر أسكرته وجعلتهينسى ما اتفق عليه مع أخيليوس، ويصر على ملاقاة هيكتور بطل أبطال طروادة، الذيينتصر عليه بمعونة أبوللون فيطعنه برمح قاتل.
ويسقط المسكين مضرجا بدمائه،ويجرده هيكتور من عدته الحربية ويرتديها هو. يستميت الإغريق في القتال، وأخيرايتراجعون إلى معسكرهم ومعهم جثة باتروكلوس، وذلك بمعونة أخيليوس الذي خرج إلىالميدان بلا عدة ولا سلاح عندما علم بموت صديقه، وصرخ صرخة مدوية ألقت الرعب في قلبأهل طروادة وجعلتهم يفرون بجلودهم من بطش أخيليوس.
الجزء الأخير من الملحمة هوعودة أخيليوس إلى المعركة بقصد الانتقام من هيكتور وقتله؛ لأنه هو الذي قتل حبيبهباتروكلوس، فعندما سمح أخيليوس بالنبأ، جن جنونه وحزن حزنا بالغا، ونسي غضبه القديموصفح عن أجاممنون وعاد إلى ميدان القتال، ونزل المعركة وقد ارتدى عدة حربية جديدةصنعها له إله الحدادين هيفايستوس، ثم أخذ يحصد رؤوس الطرواديين ويفتك بجنودهم،فاستولى الرعب على من نجا منهم ففروا هاربين، ولم يصمد إلا بطلهم هيكتور، الذي لقيحتفه في النهاية.
وقد أمعن أخيليوس في التشنيع بجثته، فأخذ يجرها وراء عربته حولأسوار طروادة أمام زوجته أندروماك التي حزنت عليه حزنا بالغا، بعد ذلك يحتفلأخيليوس بتشييع جنازة صديقه في احتفال مهيب تكريما له وتمجيدا للذكرى وتخليدالصداقتهما التي ذهبت مضرب الأمثال. وتنتهي الملحمة بتسليم جثة هيكتور لأبيه بريامالذي جاء وتوسل لأخيليوس وذرف أمامه دمعا غزيرا أثار البطل ودفعه إلى احترام شيخوخةالأب الكريم، فرد إليه جثة ابنه فتقبلها الأب وشيعها إلى مقرها الأخير
.