غيرنا لون جلدتنا، جئنا عبر السهول والوديان والجبال.
قطعنا بحارا ومسافات طويلة طويلة.
تركنا بلاد الشمس.
تركنا بلاد للفاكهة فيها طعم، للورد فيها رحيق وعطر.
لنقيم في بلاد الصقيع، في بلد لا تترك سمائه الغيوم.
بلد يحتفل بكل يوم تشرق عليه الشمس!!.
تركنا خلفنا أهل وأصدقاء طفولة، تركنا أرض و تاريخ و ذكريات..
تركنا الحب الأول و الثاني خلفنا.
لم نكترث.
لم ترتجف أطرافنا لا خوفاً و لا خجلاً!!!.
انتابنا شعور الفاتحين، الغزاة المحررين.
تعاملنا مع عشيقاتنا الجدد، كهارون الرشيد و عبد الحميد مع سبايا الحرب.
حسبنا أننا انتصرنا.
حسبنا أننا و أننا.
حتى وقعنا بحب نساء لا يشبهوننا، غرباء في عاداتهم، غرباء في دياناتهم، غرباء في لغتهم.
فتزوجنا .
أقمنا أعراس، احتفلنا، تصورنا، أرسلنا الصور نتباهى أمام الأهل وعشيقاتنا القدامى.
تباهينا بفخر أمام جاراتنا.
تباهينا بزوجة ذهبية الشعر، طويلة القامة، عيونها بلون السماء.
رزقنا الله أطفالاً.
و بسرعة لم نكن نتوقعها بدأ القلق والمعاناة، اكتشفنا أننا نحن الضحايا!!.
اكتشفنا هزيمتنا ونكبتنا.
نعم نحن من تركنا أرضنا و أهلنا لنبني الصروح الوهمية على أرض غريبة.
أرض ليست أرضنا و ثقافة تبعد كل البعد عن ثقافتنا.
إذا ما تكلمت عن زوجتي حسب المعاير السائدة هنا، سأقول كلمة حق أمام الله و ضميري، إنها أكثر من رائعة.
إنما المشكلة تكمن في الاختلاف الجذري للعادات و التربية و اللغة و الدين.
و إذا ما أخذنا مثالاً :
زواج عربي من عربية، سنجد أن الزوجة تتنازل لزوجها و العكس صحيح ولكن.
إن نسب التنازلات لا تذكر، فالمرأة جاهزة للتكيف مع زوجها، و الزوج رُبي على احترام الزوجة و تقديرها و كل من الزوجين نشأ ببيئة مشابهة للآخر.
أما في حالتنا فالموقف أعقد بكثير، التنازلات أكبر و الفجوة أوسع.
أكثر من مرة ناقشنا هذا الموضوع مع زوجاتنا الأجانب و رغم الحب الجامح و القناعة الراسخة بأنه و بعد أن سبق السيف العزل، كانت قناعتنا التامة بأنه يجب على الرجل أن يكون رجلاً و على المرأة الصبر و التنازل أكثر لكي لا ينشأ أطفالنا نشأة لا نريدها.
و صلنا في كل المرات لقناعة واحدة أتفق عليها الجميع.
أنه كان من الأفضل لو تزوج كل واحد من بيئته التي نشأ بها..
و لو فعلنا ذلك لما أضطر أحد أن يقوم بتنازلات لا يرضى عنها.
سأذكر بعض الأمثلة البسيطة التي نعاني منها في حياتنا اليومية :
عشرون عاماً و لم أتخلص و الحمد لله من غضبي و جنوني إذا ما رغبت زوجتي أن ترتدي تنورة قصيرة أو لباس البحر!!
أنا أعتبر هذا كفرً وعارً أحاسب عليه أمام الله.
أما هي فتعتبر ذلك من أبسط حقوقها و لا ترتدي احترام لمشاعري!!.
أنا أريدها ربة منزل لترعاني و ترعى أبننا.
هي تعتبر أن جلوسها بلا عمل إهانة لها و لا أستطيع منعها احترام لها!!..
هذا و لن أدخل في تفاصيل أعمق لعدم الضرورة..
ما أردت قوله أن الزواج من أجنبية كارثة حقيقية نتعود على وجودها بحياتنا و قليل ما نحاول التفكير بنتائجها لكي لا نصاب بإحباط و خيبة أمل عندما نفكر بمستقبل أطفالنا..
فما بالكم لو فكرنا بأحفادنا..
نعم نحن هزُمنا.
نعم نحن من هجرنا أرض الكرم و الزيتون...
أرض الحب الأول و الخطوات الأولى و القبلة الأولى..
نعم و للأسف الشديد كنا قد أحرقنا جسور العودة بأيدينا و هُزمنا شر هزيمة.