أنا وجدي والقضية ... بقلم :الناصر
ملاحظة مهمة : اذا كنت تشعر بالملل ولا تجد ما تفعله ننصحك بقراءة هذا المقال المفيد مع كاسة متة
ملاحظة غير مهمة : اذا كان وقتك ثمين ننصحك بعدم قراءة هالعلاك الفاضي
لـــــــــنــبــــدأ
كان جدي متابعاً من الطراز الأول للأخبار والمحطات السياسية,
ومحللا خبيرا بالشؤون الدولية والقضايا العالمية ,
كان– سامحه الله - يستيقظ ( ويوقظنا معه طبعا ) على دقات ساعة بيغ بن معلنة الخامسة
صباحا على اذاعة البي بي سي , ليستمع لنشرة الأخبار
الصباحية ( ما كان في الجزيرة والستالايت على ايامو ) ويغفو على صراخ (بعبعة ) احد السياسيين
الذين يستضيفهم راديو مونت كارلو في آخر الليل, أما نهاره فقد
كان يقضي معظم أوقاته مستلقيا قرب مذياعه
العتيق (الصيني المهرب من لبنان ) منتقلا من إذاعة إلى
أخرى كأنه يبحث عن أخبار أخرى
مفقودة لا تشبه كل الأخبار, ولا توجد لدى كل الإذاعات
وكنت أنا ( وما زلت ) طفلاً بسيطاً جداً, مشاكلي سخيفة وأفكاري بريئة وأحلامي لا تتعدى البوظة في دكان جارنا أبو يوسف, وطابة أولاد الحارة
و برامج الكرتون ,
كنت أجلس بقرب جدي , أراقبه وهو يستمع
إلى الأخبار, منكبا على الراديو بعينين مشتعلتين
ويدين مرتجفتين , كما لو أنه يتوقع
خبرًا انتظره طويلاً سيقال بعد ثوان
لم أكن أعرف وقتها , شيئاً عن إسرائيل, سوى أن جدي يكرهها
ويشتمها( من قلب مجروح ) ويقذفها هي وأمريكا بأسوء
العبارات وأقبح الأوصاف( من الزنار وتحت) , كلما جاء
ذكرهما على لسان المذيع الغبي الذي كان أيضا يلقى ( بالطوفة ) نصيباً كافياً من الشتائم قبل أن ينهي نشرة أخباره الكريهة
استجمعت قواي في إحدى المرات الكثيرة , التي كان ينفجر فيها جدي من سوء الأخبار , وقفزت في وجهه بسؤال اعتمدت في تسديده و قذفه على عشق العجوز وولعه ( بحكيات ) حفيده الصغير, لذلك لم أكترث بالنتائج
سألت بفضول الطفولة وبرائتها !!
جدو .جدو .... ليش إنت بتكره إسرائيل ؟
إنطلق صاروخي, أقصد سؤالي كالشرارة مسرعا باتجاه برميل من البارود
وايقنت وقتها , لكن للأسف متاخراً جداً , أنه لا ولع جدي بي , ولا حبه لكلامي , ولا براءة الطفولة , ولا بكائي , ولا أي شي أخر يمكن أن ينقذني من كارثتي و من غلطة العمر هذه
أتذكر وقتها أن وجه جدي الحديدي تحول الى ما يشبه الصخر البركاني الأحمر
أجابني صارخاً و كان بوده وقتها أن يحطم رأسي الفارغ ,
إلى متى ستبقى مغفلا هكذا؟ ...اه ؟
لعنة الله على إسرائيل ليش في حدا بيحبها غير ال............ ؟؟
العمى لها الحكي العمى
واستطرد منفجراً في وجهي, بعد تنهيدة أطلقها اشتممت فيها رائحة ملل الانتظار
لدينا قضية ويجب أن ندافع عنها
متى ستكبر وتفهم قواعد اللعبة ؟؟
لم افهم شيئا وقتها من جواب جدي الغامض الغاضب ,
ولم أتفوه بكلمة وأصبحت منذ ذلك الوقت أتخيل إسرائيل مخلوقا
مرعبا ذو أنياب سوداء عظيمة ومخالب طويلة
معقوفة كالوحش الذي صرعه ساسوكي في حلقته الاخيرة
رحل جدي ولم يرحل مذياعه العتيق , ظل صامداً في وجه الزمن, يطربنا كل ساعة بأخبار الهزائم والنكسات والسقوطات العربية ( وما أكثرها)
وينبئنا بين الفينة والأخرى بأحوال الجو , غائم – ماطر – ضباب لا شيء سوى الضباب والوعد قائم بشمس منتظرة ستشرق في الغد لتمحي بحرارتها كل هذا الضباب وهذه العفونة, وترسم بأشعتها الجميلة المقدسة حياتنا الباسمة,
أما أنا فقد كبرت فجأة وبقيت على الوعد مع جدي ,
وفعلا تعلمت قواعد اللعبة ,
عرفت أمريكا و إسرائيل , وتعرفت على إيران و الأمم المنتحرة والقاعدة والخليج العربي وفيتنام وحلف الناتو والحريري....الخ .
وفهمت معنى القضية !!!!
ذهبت راكضا إلى أبي ,أستعرض أمامه ما تعلمته وأبين له أني ولد ذكي لديه, سيبتهج لحديثي ويحتفل بفطنتي وذكائي
أبي أبي .........
إسرائيل وأمريكا عدوتا العرب .. سلبونا فلسطين واحتلوا ارضنا ...
إنها ارضنا........ عربية وستبقى عربية .... وستعود لنا عاجلاً أم آجلاً
سيتحد العرب , و سنهزم إسرائيل وسنـــ ... و ســــ...
رمقني والدي بنظرة ساخرة يائسة وقال بصوت هزيل يشبه الأنين :
أعتقد أن اهتمامك بدرسك سيكون أكثرا نفعاً
الحياة صعبة وعليك أن تجد وتجتهد وتعمل , كي لا تموت من الجوع
حياتنا خبيثة , وعليك أن تكون ذكيا أكثر, كن حذرا ولا تسمح لنفسك أو لأي شخص آخر أن يشغلك بأمور وجدت لتكون شاغلة لا قضية ...
.
.
.
قاسية جداً كلمات أبي, وقعها جاء كانفجار بركان
يبدو أن شيئاً ما لا أعرفه , يسير في الاتجاه الخاطئ
يبدو أنني لم اكبر بما فيه الكفاية لفهم قواعد اللعبة
ولكن جدي ...... وأحلامه وكلامه ؟؟؟
لا ادري ... سأهتم بدرسي سيكون أكثر نفعا لي كما يقول أبي
فتحت كتابي وقرأت
يمتد الوطن العربي من المحيط الأطلسي غرباً, إلى الخليج العربي شرقاً
أهلاً أهلاً