كان سحرها طاغياً، وبريق قلائد الماس حول عنقها يكاد يخبو أمام سطوع نجمها. إنها سيدة الأرجنتين الأولى، وزوجة الرئيس (خوان بيرون ) وشاغلة العالم إبان حقبة تعود إلى الحرب العالمية الثانية. بلقب القديسة الصغيرة، نادتها البلاد اللاتينية، وعندما وقعت تصارع المرض العضال جثت الأرجنتين بثقلها السكاني تبتهل لها بالشفاء، وإذ غيبها الموت هاجت الأمة وماجت، وزحف وراء نعشها مليونا نسمة، فزهقت أرواح العشرات سحقاً تحت الأقدام في وداع القديسة، قبل أن تطفىء شموع ميلادها الثالثة والثلاثين. نشأتها وتاريخها : في إحدى أفقر أزقة الأرجنتين ولدت إيفا ـ دورتا عام 1919 مجهولة الأب، تقاسي مع والدتها شظف العيش، وقبل بلوغها الخامسة عشرة هجرت مرتعها البائس، تطرق العاصمة بوينس ـ أيرس لعلها تثأر لأنوثتها المهدورة، من خلال أضواء الفن، ورصيدها جمال لا تخطئه العين، وصوت شجي يزيد من عذوبته بحة محببة، فحصلت على عمل بأجر زهيد كمذيعة لبرنامج أسبوعي. لم تتأفف إيفيتا ـ وهو نداء التحبب ـ من شح المورد، و ما لبث أن ابتسم لها الحظ عندما اعتلت مسرح الأوبرا بصفة عريفة الحفلات الموسيقية. وهل أرخم من صدى صوتها في مناسبات كهذه؟ وحين استضافت هيئة الإذاعة شلة من الضباط، على رأسهم الكولونيل (خوان ـ بيرون) رئيس لجان الطوارىء لحث الشعب على التبرع لضحايا كارثة زلزال مدمر ضرب البلاد، وبينما إيفيتا تشاركه النداء اهتز سمعه طرباً لبحة حنجرتها، وهوى قلبه بين ضلوعه وهو يضغط على راحتها مودعاً. من خيوط هذه البداية نسجت إيفا ـ دورتا سحرها القيادي، بعد أن أصبحت ساعد (بيرون) الأيمن في إدارة الجمعيات الخيرية، تطوف المدن وتجوب القرى ورسالتها (قبل قدوم الشتاء أغيثوا النائمين في العراء). مهمة إيفيتا الإنسانية ونبل مشاعرها باقتطاع مبلغ من راتبها ومكافأتها ومناوباتها الليلية، لإعانة العائلات المستورة كان إيثاراً تربعت به على عرش القلوب.. أما معترك السياسة، فقد دخلته في عام 1945 من أوسع الأبواب، باستقطابها كتلة شعبية ضخمة عرفت باسم (الياقات الحرة) كلقب رمزي يشير إلى الطبقة الكادحة ..ففي هذا العام ألقي القبض على بيرون وأودع السجن ..لكن إيفيتا مدفوعة بحبها له وإيمانها به لم تسكت فقامت بتحريك العالم وإقامة المظاهرات لاجل اخراج الحبيب من السجن وفي نفس نفس العام هجم المئات بل الاف على (قصر دل مايو) في مدينة بيونس ايرس ... كانوا من عمال المصانع سائقي الشاحنات وربات البيوت و الفلاحين والعاطلين عن العمل خطبت فيهم ايفيتا بقوة وحماس وكانت في مقدمتهم ..في المظاهرة التي خرجت والتي كانوا يرددون فيها استعدادهم للموت من أجل البارون مما أدى إلى الإفراج عن البارون ورضوخ الجيش . يوم 22 أكتوبر عقد زواج البارون على ايفيتا وبعدها بأربعة أشهر تم انتخاب البارون رئيساً للبلاد. في عام 1949م حصلت ايفيتا على قانون يسمح للنساء بالتصويت ..كما حققت نجاحا آخرعندما تمكنت من استصدار قانون يعطي المرأة حقوقها في العمل مساواة بالرجل .
وفي نفس العام قامت ايضا بتأسيس حزب الباروني النسائي لكي يتحدث عن المرأة وايضا يدافع عن الفقراء والكادحين من أصحاب (الياقات الحرة ). وفي نفس العام ايضا .. استقبلت السيدة الارجنتنية في اوربا استقبال
غير عادي في كل من ميلانو ومدريد وباريس وروما .. ووقعت معاهدات بين بلدها وهذه الدول . حين أصبحت إيفيتا بيرون سيدة الأرجنتين الأولى ..استبدلت ملابسها المتواضعة بأفخرالثياب ..وحليها البسيطة بأغلى المجوهرات ..لكنها رغم ذلك لم تخرج عن جلدها يوماً. وحين عمدت صحف المعارضة إلى نبش ماضيها تقارنه بحاضرها، من خلال صورة تبوح ببؤس طفلة حافية القدمين دثرتها أسمال بالية. تجاورها لقطة تغمز إلى ما آلت إليه أحوالها، بمعطف الفراء وقلائد الماس وبريق الأقراط , لم تغضب السيدة الأولى لتلك المقارنة بل تصدت للمصادر المغرضة بقولها: إنه تاريخ أعتز به وتجميل صورتي لا يعبث بجوهر معدني. وفاتها :
في اوائل عام 1950م ... بدت على ايفيتا بوادر المرض بالسرطان كان عمرها آنذاك ثلاثين عاما ..لكنها رغم ذلك كانت تقوم باداء واجباتها كسيدة أولى .. ووقفت إلى جانب زوجها في الانتخابات حيث أُعيد انتخابه للمرة الثانية رئيسا للبلاد وهي مسنود ظهرها بجبس على الكرسي المتحرك . كانت آخرعبارة خاطبت بها شعبها : (أين لهذا الجسد النحيل أن يحتمل ألماً يصهر الحديد) . وبحلول السادس والعشرين من آب عام 1952أسلمت إيفيتا الروح شابة في الثالثة والثلاثين. -تحنيط جثتها : حين كانت تحتضر كان يقف بقربها رجل لم تتعرف عليه من قبل يدعى الدكتور آرا (الذي يعد واحدا من أعظم الخبراء في التحنيط وحفظ الاجساد الميتة) .. وما أن لفظت أنفاسها الأخيرة..حتى قام بسحب دمها واستبدله بسوائل خاصة تمنع الجسم من التحلل. وبإيحاء من زوجها وضعت مشاريع عديدة لنصب تماثيل لها ولكن سرعان ما أطيح بزوجها خوان بارون في عام 1955م . وتم نفيه لاسبانيا و خلفه (أدوارد لوغاردي) ورفض أن يعطيه جثمان زوجته ايفيتا المحنط ..بل إن لوغاردي حاول تغيير صورة إيفيتا لدى الشعب وقرر تدمير الجسد المحنط وبالفعل طلب احضاره من الغرفة رقم (63) في مبنى اتحاد العمال ولكن الوقت لم يسعفه حيث عزل في انقلاب مفاجئ عام .1955 وحين خلفه الرئيس (بدروأمابورد) أمر بسرقة الجثمان من مبنى اتحاد العمال وأخفاه في مقر المخابرات العسكرية خوفاً من اقتحام الجماهير للمبنى وسرقته .ومن مقر المخابرات تنقل الجثمان في ستة أماكن أخرى حتى سلم لرئيس المخابرات الجديد (فيلاس) الذي صنع عدة توابيت مماثلة (وخلطها) عشوائياً ووزعها على سفارات الأرجنتين في الخارج ..وبهذا اختفى جثمان إيفيتا بيرون عن الناس 16 عاماً لم يسكت من خلالها المخلصون عن المطالبة به ..ودفنه بطريقة لائقة كما لم يكف خوان عن المطالبة به من منفاه في أسبانيا ..ولا احد يدري بمكان الجثمان الحقيقي سوى رئيس المخابرات ..ورئيس الأرجنتين نفسه .. حتى سفير الأرجنتين في بلجيكا لم يكن يعلم أن تابوت إيفيتا موجود في قبو سفارته.. ولمّا نقله سرا إلى ميلانو بإيطاليا حيث دفن هناك..(وكانت مبادرة شجاعة دفع ثمنها غالياً). لكن حين عاد المجلس العسكري السابق إلى سدة الحكم أعيد خوان من منفاه كما أعيد جثمان إيفيتا من إيطاليا وفتح التابوت بحضور الدكتور آرا . وكان منظر الجثة مؤثراً حيث بقيت إيفيتا كما هي بشعرها الأشقر ووجها الجميل فبكى خوان وأخذ يهذي (انها نائمة فقط) وبعد ان تولى رئاسة الأرجنتين لفترة بسيطة توفي خوان بيرون فقرر المسؤولون دفن جثمان إيفيتا بطريقة لا يمكن لأي قوة نقله من مكانه مجدداً. وهكذا دفن تابوتها على عمق خمسة عشر قدماً من الأسمنت المسلح تحت حراسة مشددة !! -بعد موتها : أثيرت في فترة من الفترات ..ضجة كبيرة حين اقترح صحفي بان يفتح قبر ايفيتا و يصبح مزار ... لتسدد الارجنتين ديونها. فما كان من الشعب إلا القيام بمظاهرات غاضبة امام الصحيفة التي يعمل بها هذا الصحفي مما اضطر الموظفين الهروب من الباب الخلفي وبعد يومين من الحادثة ... قدمت الصحيفة اعتذار رسمي للشعب. *تجدرالإشارة إلى أنه تم كتابة سيرة حياتها على شكل مسرحية ..وعنها اقتبس الفيلم الذي أدت فيه مادونا ..دور إيفيتا بيرون ..مما أثار استياء الشعب الأرجنتيني . --------------------------------------------- هذا مقطع يوتيوب لها وهم يحضرونها للتحنيط https://www.youtube.com/watch?v=YqiHD6XJoWw وهذه الأغنية الشهيرة don,t cry for me argentina https://www.youtube.com/watch?v=zrx5Ve7y0xM
شذا سننتخبك سفيرة الثقافة عن منتدانا الحالم الجميل حيث انك دائما تتحفينا بكل ما هو قيم ورائع جوانب جميلة وتستحق الوقوف عندها سلطتي الضوء عليها لنتعظ ونفهم فشكرا لك
Mohannad الإدارة
مكان الإقامة : : لامكان لاوطن عدد المشاركات : 2983 تاريخ التسجيل : 27/08/2008
كل الشكر لك صديقتي شذى المرأة القوية هي المرأة التي تكون أمام الرجل وليست تلك التي تقف وراءه وتدعمه فقط بل تكون في مرأى وقلوب الجميع تعمل أن أجلهم بحب وتبرهن أنها قادرة على اختراق قلوبهم ليس من اجل الشهرة بل من أجل الإنسانية كم أشعر بإحباط حينما تعيش بعض النساء وتفني حياتها في سبيل استقطاب أكبر عدد من الشباب لخداعهم والتلسية بهم وعندما ينقضي شبابها تشعر بتخبط وبتجاهل كل من حولها أما المرأة المثقفة العاملة المناضلة كلما كبرت لاقت أنها أقرب للقلوب وأن وجودها في الحياة يكبر وأنها خلقت من أجل الحياة
شكراً شذى لتعريفنا على هذه الشخصية المميزة حتى وإن بقي قبرها مجهولاً ستبقى في قلوب شعبها وواضح أن محبينها لن يقبلوا أن يصبح قبرها مزاراً لإنتعاش الإقتصاد .. لأن المحبة فوق كل أموال الدنيا وغالباً المحبين هم الفقراء