هديل ابنة الساحل ذو عينين خضراوين و شعر أشقر مجعد و بشرة أكسبتها الشمس سمارا جميلا.. سنة أولى في كلية الاقتصاد ....
تتألف أسرتها من 5 أفراد رامي 26 عاما, فادي 22 عاما ,هديل 19 عاما, و الوالدين ......
تعيش في عائلة يدّعون الديمقراطية.....
استيقظت عند الخامسة فجرا و الدموع مجففة فوق عينيها أخذت من تحت وسادتها بقايا هاتف جوال محطّم.... ومزقت ورقة من دفترها الجامعي ثم جلست˚ في الشرفة التي تطلّ من بعيد على البحر نظرت إلى أمواج البحر الهادئة,فرسمت بسمة صغيرة فوق خدودها الوردية . حملت قلمها و كتبت :
والدي المحب.. والدتي الحنونة . رامي الطيّب ... فادي العظيم......
صباح الخير ........
كم كنت أحلم بأن تكونوا كما وصفتكم و سميتكم ..أن تكونوا كباقي الأسر التي أراها....و لكن..............
سئمت من السجن الذي تحبسونني فيه.... مللت من الشك الذي تحيطونني به و من مراقبتكم لجميع خطواتي ........ممنوع أن أتواصل مع البشر....ممنوع أن يكون لي أصدقاء....بعد خروجي من المنزل يرافقني عنصر إلى باب الجامعة يفك قيودي كي أدخل المحاضرة ثم يقف و ينتظرني أمام باب القاعة علني أذهب إلى غير مكان ليعاود وضع القيود و يأخذني إلى حبسي...
تعاملونني و كأنني لا أملك مشاعر و لست بشر ...... شهرت في حارتي فمدرستي و من ثم في الكلية و لكنني لم أشتهر إلا بالعلامات الزرقاء الذي علّمها السوط فوق جسدي كنت أسمع على لسان الجميع (ليعينها الله كيف تعيش مع وحش يضربها كل يوم).......
أعلم أنكم كم كنتم تودّون ألا أدرس و ألا يكون لي مستقبلي و أن أكون في المنزل خادمة تخدمكم إلى أن يأتي الشخص المناسب الذي تريده أنت يا أبي و تسجنوني في زنزانته.......
أذكر عندما كانت جدتي الحنونة تبكي كل يوم على ابنتها التي ظلمها القدر مع وحش على هيئة إنسان ... أمي أنتي أيضا حنونة و لكن هذه الحياة الصعبة جعلتك تطيعين أوامر أبي الظالم ....
أبي أنت في كل يوم تقتلني و تطعنني بآلاف الخناجر ..لا أعلم ممن اكتسبت هذه القسوة لربما من والدك الذي كان يتركك تسرح في الشوارع باحثا عن لقمة عيشك و لا يتركك تدخل المنزل إلا و معك المال ... بنظرك أصبحت تلك التربية هي التربية الجيدة التي سرتَ أنت أيضا على نهجها و تعاملت هكذا مع إخوتي الشباب و حبستني في المنزل لأنني(( فتاة)).....
حرمت إخوتي من نعمة العلم و علمتهم من مدرستك علوم القسوة و الظلم فتحولوا لوحوش بشرية..
و لكي لا يقولوا الناس لم ابنتك تركت المدرسة و هي من المجدّات تركتني أكمل الدراسة مدّعيا (الديمقراطية)..و كم جميلة ديمقراطيتك .......
في كل يوم أرى الفرح على وجوه أصدقائي و هم يمرحون و يدرسون في ساحات الجامعة و كم أشتهي أن أشاركهم أحاديثهم الجميلة..
في يوم سمعتهم يتكلمون أننا :
نحن الآن في القرن الواحد و العشرين في عصر التقدم ..في عصر تحرر الأنثى في عصر الجيل الجديد الذي يبني مستقبله على أسس علمية تلقاها في الجامعات...
و يومها لم أفهم معنى التقدم ولا التحرر و لا الجيل الجديد..
قالوا أن الأم الناجحة في المنزل هي صديقة ابنتها و مأمن أسرارها و يومها كم تمنيت يا أمي أن يكون لي صديقة هي أنتي......
كم كنت احلم و سأبقى أحلم..... كم كنت أتمنى و سأبقى أتمنى....
البارحة يا أبي حين وجدتَ في خزانتي ذلك الهاتف الذي جمّعت ثمنه من مصروفي كنت قد اشتريته كي أهديه اليوم لأمي بمناسبة عيدها ..كنت أحاول أن أفرح أمي بشيء ما......
و لكن آه على هذه الحياة التي نعيشها معك......
(((أسرتي))) .....الإحباط عشش في روحي الصغير و قلبي كره الحياة..
فوداعا إلى غير لقاء.....
و بعد أن انتهت من الكتابة أخذت رسالتها المبللة بدموعها و وضعتها فوق فراشها ,ثم حملت قلبها الصغير المحطم و نزلت بسرعة البرق من المنزل متوجهة إلى البحر ...
حين وصلت حلّ غضبُ السماء ...فلم تجد هديل سوى أن الأمواج بدأت تغطي جسدها النحيل...
أكملت خطواتها متوجهة إلى القاع خطوة تلو خطوة .......الماء غمرها من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها ..و هي الآن جامدة لا خطوة تخطوها ولا حركة تؤديها .... بدأ نفسها يضيق و ظلام داكن ارتسم أمام عيناها .. فحلّ صمت رهيب..........
أخذت أمواج البحر جسدها فرمتها على الشاطئ و إذ بصياد يراها يقترب منها يضع أذنيه فوق صدرها فيسمع نبضات قلبها ما تزال مستمرة..... فينقذ حياتها بالإسعافات اللازمة ثم يحملها بين يديه الخشنتين و يأخذها إلى منزله القريب من الشاطئ.. يلقي بجسدها فوق سرير خشبي و يذهب ليحضّر لها حساء ساخن ....
تفتح هديل عينيها لتجد نفسها في مكان غريب لم تزره بحياتها فتسمع صوت خطوات بطيئة تقترب منها فتغمض جفونها خوفا و تلبكا ... يقترب منها الصياد فيهمس في أذنها لا تخافي مني أنا من أنقذ حياتك يا صغيرتي .... تعاود فتح جفونها فيظهران عيناها الخضراوين الخائفين .... يقول لها : لم حاولت الانتحار يا صغيرتي الجميلة؟؟؟؟؟؟ إلا أنها لم تستطع الرد فكلماتها اختنقت في حنجرتها......يضع الحساء بقربها ثم يتركها فيرحل ......
و في المساء يعود و في يده ثلاث سمكات ..... يلقي بكبريتة فوق عيدان الحطب فيشعل النار يضع السمكات فوقهم و يذهب ليحضّر كأس من الكحول ..
يطلب من هديل أن تشاركه العشاء .. تأتي و تجلس قربه و تأكل القليل فتشكره و ترحل إلى فراشها .......
و في منتصف الليل تسمع خطوات ثقيلة تقترب منها .. إنه الصياد و لكن ماذا يريد منها في هذا الوقت المتأخر ؟؟؟!!! تخاف من فتح عينيها و لكنها تشتم رائحة الكحول تقترب منها و إذ بوحش بشري يلقي بجسده فوق جسدها النحيل ليبدأ بتقبيل شفاهها الصغيرة تقاومه و لكنها لا تستطع ... تضربه بيديها فلا يرد عليها فتسلّم نفسها لذاك العجوز الشايب ......و بعد أن يغتصب الوحش أنوثتها من شدة السكر يبقى نائما فوقها فيقضي على روحها و حياتها....... تفتح هديل عينيها لترى نفسها في عالم آخر... كم هي جميلة الحياة و كم هم طيبّون البشر و كم جميل أن نعيش دوما في ربيع..... ورودٌ فواحة تحيطها فإذ بحمامة بيضاء تقترب منها تلقي هديل التحية عليها و تقول: ارحلي يا حمامتي إلى البشرية و ذكريهم أن الله موجود في كل حين و يرى أفعالنا في كل لحظة... فكل ظالم على الأرض ستكون نهايته قاسية في السماء...
و إذ بقطرة ماء سقطت فوق خدي فتحتُ عيناي ففوجئت بوجود أمي التي تمازحني قائلة : إلى متى ستنامين يا كسووووووووولة استيقظي لتساعديني بصنع الغداء:عاودت إغماض عيناي ففتحتهما بقوة ثم غمرت أمي و قبلت يداها ..نظرت˚ متعجبة من ابنتها التي استيقظت بكل هذا النشاط فقالت ما بك يا صغيرتي؟؟؟؟قلت لها و الدموع في عيناي الحمد و الشكر لك يارب لأنك خلقتني في أسرة رائعة .. الحمد لك لأنك لم تعطني أما فحسب بل أروع صديقة و لم تعطني أبا فحسب بل أروع أب ...... الحمد لك لأنني لم أشعر يوما بأنني هديل ...قالت أمي و إشارات الاستفهام يحوم في وجهها ... و من هذه هديل أصديقة جديدة؟؟؟؟؟؟قلت لها و ما زلت في حضنها جالسة كطفلة صغيرة .. بالله عليك يا أمي ألم تعرفيها؟؟؟؟قالت لا : قلت: هديل هي((( بطلة حلمي اليوم))) تلك الفتاة التي جعلتني أرى الحياة من نافذة جديدة و تلك التي جعلتني أحمد الرب أكثر فأكثر على نعمه ... وضعت أمي يدها فوق جبيني تتحسس حرارتي و مازالت علامات الاستفهام مرسومة في وجهها الملائكي فقالت : تحركي يا صغيرتي المدللة إلى المطبخ فانا سأسبقك .... و بعد أن رحلت جلستُ في فراشي فقلت أيا ترى في عصرنا هذا توجد فتاة تعيش حياةً مقيّدة كهديل ؟؟؟ و هل يوجد أب ظالم و متعصب لهذه الدرجة ؟؟؟ و صياد لا يخاف الله و يحسب لو أنه أغلق الباب و فعل فعلته لا يراه أحد ؟؟ و هل كل إنسان يشكر الله على نعمه ؟؟؟ تركت الأجوبة في فراشي و ركضت إلى المطبخ صنعنا الغداء ثم دخل والدي فجلسنا جميعا على طاولة واحدة .. بعد أن أنهينا طعامنا قال أبي : اليوم الطعام كان لذيذ جدا!!! قلت له : أحبك أحبك أحبك يا أبي ...... نظر أبي إلي نظرت تعجب و إذ صوت القهقهات علت في المنزل و لا أحد يعلم السبب؟؟؟سواي....
و الآن أيها القارئ (القارئة) هل أنت تعيش في نعمة أم نقمة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟