لا يجوز أن نقرأ الشعر ونحن نفكر في أمر آخر. فما إن تتجدد الصورة الشعرية في إحدى ملامحها حتى تبدي براءة أولية».
عندما تندفع «اللحظة الشعرية» يكف الزمن عن «الجريان»، «فيتدفق»، وتزول «أفقية الاستمرار المسطّحة» حيث يلي الحدث الحدث والإحساس الإحساس، والفرح الأسى والأسى الفرح، وتزول «الحقبة المتتالية» فيصبح كل شيء متزامناً، وهذه «اللحظة» متعدّدة الوجوه: فليس هناك تزامن واحد، بل تزامنات عديدة وُحِّد بينها عمودياً.
والحال أن في هذه الدراسة المتواضعة نحتار من أين نبدأ وأين نقف. فالأدونيسية بحرٌ واسعٌ وأمواجه تزبد وترتفع وتتلاطم في ألق الشمس. واللحظة الشعرية في هذا الخضمّ تتاخم حدود النبوءة، والكلمة تصبح رؤيا، وإذ نلمح شاعراً ندرك أنه خلف الشاعر يكمن فيلسوف، وخلف الفيلسوف يكمن متصوف، وهكذا تجمع الأدونيسية الشعر والفلسفة والتصوف في كل واحد... ويلوح لنا في البعيد هذا العملاق الذي يُدعى أدونيس، ولاشك أن حب المعرفة يدفعنا أن نعرف شيئاً عن هذا العملاق.
سيرة حياته
تقول خالدة سعيد وهي زوجة أدونيس في زيارة لها إلى منزل زوجها حيث وُلِدَ وترعرع: «في الصباح خرجنا إلى الحقل، كأنما كنت أمشي في تاريخ أعرفه، الأم تحدّثني عن طفولته الأولى. عندما نتكلم تسميه أدونيس. هناك بدا اسم أدونيس عنواناً لحكايته وقصة انتقاله بما يشبه السحر من الحقل والقرية إلى مدرسة اللاييك في طرطوس. أخته الصغرى فاطمة تسميه أدونيس. أخته الكبرى ليلى، مثل شيوخ القرية لا تتخلى عن اسم علي، ولكنها لم تعد تسميه علّوشة ولا عُلَيْشة كما كانت تناديه تحبّباً في الصغر».
حكاية الاسم أدونيس
اسمه علي أحمد سعيد، وُلِدَ في سنة 1930 في قرية فقيرة تُدعى «قصابين» قرب مدينة جبلة في محافظة اللاذقية. وهي عبارة عن أكواخ من الحجر والطين هي ما نسميه بيوتاً هناك.
يقول أدونيس: «صورة البيت مختصر للطبيعة. في الهواء الطلق: جدران من الحجر والطين، يغطيها سقف من الخشب. وكان البيت مقسوماً إلى جزأين: داخلي معتم لادخار المؤونة، حبوباً، وزيتاً وزيتوناً، على الأخص. وخارجي للجلوس والنوم والأكل والاستحمام والضيافة. في الشتاء كانت أمي تجلسني في طست كبير وتغسلني. كنت أصرخ وأبكي، خصوصاً عندما تدخل في عيني رغوة الصابون. وكانت تقول بهدوء: قلت لك أغمض عينيك، عندما أغسل رأسك».
كان يذهب كل يوم حافي القدمين إلى «الكتّاب» أي الشيخ وهو معلّم القرية لكي يتعلّم القراءة والكتابة. وهكذا حتى الثانية عشرة من عمره لم يعرف مدرسة نظامية. وكانت أقرب مدرسة إلى القرية تبعد مسافة طويلة لا يقدر طفل في سنه أن يجتازها مرتين يومياً. وحتى هذه السن لم يشاهد سيارة ولم يعرف الراديو ولا الكهرباء وبالتالي لم يعرف المدينة. بعد أن أنهى تعلم الكتابة والقراءة عند شيخ القرية قرر والده أن يرسله إلى تلك المدرسة البعيدة في القرية المجاورة.
يروي أدونيس في سياق حديثه عن طفولته أن ثمة نهر يفصل بين القريتين، وفي أحد أيام الشتاء لما كان عائداً من المدرسة إلى القرية تحت مطر غزير مع ابن مختار القرية وهو يكبره سناً، فقد أجفلهم رؤية النهر طائفاً وهادراً وعوضاً عن العودة إلى المدرسة فقد خاض الأكبر سناً ودعاه أن يخوض مثله، وإذّاك بدأ الماء يغمره حتى الصدر، ثم الكتفين ثم العنق وكان المطر شديداً وبمعجزة وصل إلى الضفة الثانية وكان عبور النهر مجازفة كبيرة والنجاة معجزة وعناية خفية.
يقول أدونيس: «هذا النهر الذي كاد أن يأخذني معه إلى سرير النوم الأبدي، هو نفسه الذي كان يأخذ أيام طفولتي بين أحضانه، غدراناً، ومغاورَ، صخوراً وأعشاباً، أشجاراً ونباتاتٍ. كانت الألوان على ضفافه تتنوع وتتدرج، وكنت أمنحها عيني كأنني أمنحها للحلم. كنت أشعر أن وجودي بينها ليس إلا صورة، مزيجاً منها جميعاً».
«كانت طفولتي تنسّماً لمجرى النهر، لضفافه، ولما حولها، ولما تحتضنه. كان طيفٌ يمسك بيدي، ويجري معي، نجلس تارة على صخرة، ونخوض تارة في مائه المحمول على بساط من الحصى والرمل. وكنا نتمرأى في غدرانه، وننظر بشغف إلى أسماكها الصغيرة، ونمد أيدينا نحوها، إليها، ونحسب أننا نحوّل الماء نفسه إلى طست كبير تلعب فيه مع أيدينا».
«"ماذا أقرأ؟" سؤال كان شاغلي الأول، فيما كنت أتتلمذ، وأنمو. الشعر العربي القديم؟ أعرفه، وبه انجبلت طفولتي الأولى في القرية، وذلك بتوجيه أبي وسهره على تربيتي. كانت الحياة شعره الأول والأساس، أما شعره بالكلمات فكان عنده هامشياً. غير أنه كان قارئاً محباً للشعر، وبصيراً باللغة العربية وأسرارها. على يديه قرأت بشكل خاص، المتنبي وأبا تمام، والشريف الرضي والبحتري والمعري، وعشرات آخرين، في دواوينهم، أو في مجاميع شعرية، وبخاصة "الحماسة" لأبي تمام. إلى ذلك علّمني القرآن وتجويده».
وهكذا فإن أيام أدونيس كانت تمضي وفي كل ليلة قراءةٌ للشعر وحده أي الشعر العربي القديم وكان ذلك بعناية والده وسهره على تربيته. كانت القراءة تتم بصوت عالٍ، وأمام ضيوف يحبّون السماع. ويذكر أدونيس أن القراءة لم تكن بالرأس وحده بل كان يقرأ بقلبه وحواسه وجسده كله.
وبعد السماع كان يأتي امتحان الصرف والنحو. إعراب هذه الكلمة، هذا البيت، وذكر وجوه الخلاف هنا أو هنالك ثم يأتي امتحان المعنى، ما معنى هذا البيت؟
كل ليلة تقريباً، كانت تتكرر القراءة. وكانت الكتب قليلة. وكانت غالباً تُستعار، وغالباً، لا تُردّ. وكان كل من يملك كتاباً في القرية مقامه يعلو ويرتفع.
وهكذا مضت الأيام إلى أن أصبح عمره ثلاث عشرة سنة فراوده حلم يقظة رسم فيه الطريق إلى دخول المدرسة. وكان أن الرئيس الأول شكري القوتلي للجمهورية الأولى السورية بعد الاستقلال وزوال الانتداب (أي في عام 1943-1944) سيزور منطقة اللاذقية، ضمن برنامج زيارته للمناطق السورية. وهكذا فكّر أدونيس أنه سيكتب قصيدة يلقيها أمامه مرحباً، وأنها سوف تعجبه وسوف يطلب ليراه، وسوف يسأله عما يريد وحينئذ سيجيب أنه يريد التعلّم، وسوف يعمل على تحقيق هذه الإرادة. وهكذا كان بعد إصرار وإرادة جبّارة من قبل طفل بلغ هذا العمر الصغير. وبعد تقديمه القصيدة أمام رئيس الجمهورية دعاه الرئيس قائلاً له:
-
ماذا يمكن أن نقدّم لك؟ ماذا تريد؟
- أريد أن أدخل المدرسة، أريد أن أتعلم؟
-
سنفعل ذلك إطمئن
هذا هو الحوار الذي بدأ بتغيير مسار حياة شاعرنا، فبعد حوالي أسبوعين جاء الدرك يبلغونه: «أنت مطلوب لكي تذهب إلى طرطوس، وتدخل المدرسة»، ودخل أدونيس مدرسة اللاييك بطرطوس على نفقة الدولة. بعد البروفيه تابع دراسته الثانوية في اللاذقية.
أما حين اتخذ اسم أدونيس فقد كان في حوالي السابعة عشرة من العمر. لقد كان يكتب آنذاك نصوصاً شعرية ونثرية يوقعها باسمه العادي: علي أحمد سعيد، ويرسلها إلى بعض الصحف والمجلات آنذاك للنشر، لكن أياً منها لم يُنشر في أية صحيفة أو مجلة. ودام هذا الأمر فترةً، فاستاء وغضب، وأثناء ذلك للمصادفة وقعت في يده مجلة أسبوعية قرأ فيها مقالة عن أسطورة أدونيس: كيف كان جميلاً وأحبته عشتار، وكيف قتله الخنزير البري، وكيف كان يُبعث كل سنة في الربيع، فهزّتْه الأسطورة وفكرتُها وقرر أن يستعير من الآن فصاعداً اسم أدونيس ويوقّع به. وقال في ذات نفسه أن هذه الصحف والمجلات التي لا تنشر له، إنما هي بمثابة الخنزير البري الذي قتل أدونيس.
وبالفعل كتب نصاً شعرياً وقّعه باسم أدونيس وأرسله إلى جريدة لم تكن تنشر له، وكانت تصدر في اللاذقية، وفوجئ أنها نشرتْه. ثم أرسل نصاً ثانياً فنشرته على الصفحة الأولى، أرفقها المحرر بإشارة تقول: المرجو من أدونيس، أن يحضر إلى مكاتب الجريدة لأمر يهمّه.
فذهب إلى مكاتب الجريدة، وعندما دخل واستقبله أحد المحررين بدا عليه أنه لم يصدق أنه أدونيس، فدخل مسرعاً إلى رئيس التحرير وأخبره بحضوره. وحين دخل إلى غرفة رئيس التحرير بدا هو أيضاً كأنه غير مصدق، فقد كان ينتظر شخصاً بقامة رجل، فرأى أمامه قروياً، تلميذاً بسيطاً وفقيراً. ومنذ ذلك الوقت كان اسم أدونيس غالباً عليه.
يقول أدونيس: «والحق أنني لم أكن أعرف حين اخترت هذا الاسم، أنه ينطوي على رمز الخروج من الانتماء الديني، القومي، إلى الانتماء الإنساني، الكوني، وأنه سيثير مثل هذا العداء في الأوساط الدينية، القومية. ولئن كان الأمر كذلك، فإن على هذه الأوساط أن تحذف آلاف الكلمات من معجم اللغة العربية، ومن لغة الحياة العربية اليومية، وأن تحذف كذلك عشرات الكلمات التي وردت في القرآن الكريم، والتي ليست من أصل عربي. لكن بالمقابل هناك اليوم عشرات العرب الذين يسمّون أبناءهم باسم أدونيس، من عدن حتى بيروت».
وفي عام 1950 كانت المحطة الأخرى هذه المرة هي دمشق حيث دخل أولاً كلية الحقوق فأمضى قرابة السنة، ثم رأى أنه لا يستطيع المتابعة فيها فانتقل إلى كلية الآداب قسم الفلسفة، فقد كان يشعر أن قسم اللغة العربية لن يفيده شيئاً، لأنه كان يعرف مسبقاً لغة وشعراً ما سيدرسه فيها. لذلك اختار الفلسفة لعلها تفتح له آفاقاً فكرية جديدة عليه. ومع ذلك فإنه لم يتابع دراسته في هذا القسم بانتظام فقد كان عملُه يحول دون ذلك.
وأثناء إقامته في دمشق انخرط في الحزب السوري القومي، وتعرّف إلى زوجته خالدة سعيد والتي كانت طالبة من خارج الجامعة وتدرُس في «دار المعلمات» في دمشق نفسها.
في سنة 1954 نشر قصيدته الطويلة «الفراغ» في مجلة «القيثارة» أولى المجلات العربية الخاصة بالشعر في سورية وكانت تصدر في اللاذقية، وأخذت الأوساط الشعرية العربية تعترف به بدءاً من هذه السنة التي نشر فيها قصيدته هذه، وهي التي كانت نقطة الوصل بينه وبين يوسف الخال الذي كان قد قرأها وهو في نيويورك في الأمم المتحدة وأُعجِب بها كثيراً.
لقد كانت سنة 1954 حافلةً، فهي السنة التي اختتم فيها دراسته الجامعية، وبدأ يهتم بقراءة الشعر السوري خاصة، فقد كان نزار قباني يملأ دمشق فهو الذي كان يعلّم الحياة اليومية كيف تتحول هي نفسها إلى قصيدة، وكان بدوي الجبل الصدر الذي يحتضن جسد الشعر العربي، وعرف فيه سلوكاً ينتظم فيه العقلُ والقلبُ وهو يقول فيه: «كان بدوي الجبل جبلاً، لكنه كان في الوقت نفسه موجاً». وكان عمر أبو ريشة يستدرج الواقع بقسوة حيناً وبلين حيناً، لكي يصير على مثال صوته نفير حرية وتحرر. وكان شاعر آخر هو نديم محمد الذي يعتبر مجموعته الشعرية من بين أهم المجموعات العربية في النصف الأول من هذا القرن. وبين الأصوات الشعرية التي كانت تجيء من خارج دمشق، كان صوت سعيد عقل، الأكثر حضوراً بالنسبة له.
وهكذا فهذه السنة الحافلة هي السنة التي بدأ فيها بخدمة العلم أيضاً، وهذه المرحلة دامت سنتين أمضى منها قرابة السنة في كلية ضباط الاحتياط إلا أنه لم ينجح في هذه الكلية حيث جميع زملائه تخرجوا برتبة ضابط إلا هو تخرج برتبة رقيب أول. وأمضى قرابة السنة أيضاً منها في سجن المزة بدمشق وفي السجن العسكري بالقنيطرة، وذلك بسبب انتمائه للحزب السوري القومي الذي كان ممنوعاً آنذاك وقد تركه عام 1960.
وفي سنة 1955، أخذ من إحدى المكتبات في حلب -حيث أمضى جزءاً من فترة خدمة العلم- مجموعاتٍ شعرية لشعراء فرنسيين بينهم رينيه شار وهنري ميشو وماكس جاكوب. ويقول أدونيس عن هذه المرحلة: «عملت هذه القراءة على تعميق الهوة، وتوسيعها بيني وبين الثقافة التي كانت تسود حياتنا. وكثيراً ما كان يُخيّل إلي أنني أسمع في داخلي صوتاً يقول لي: استمسك، اعتصم، وحاذر أن تسقط في أي شيء، إلا في نفسك، وعليك هنا أن تسقط عمودياً، وأن تسلك الطريق الأكثر رحابة، ما لا قرار له، وما لا ينتهي، إذ بدءاً من ذلك، تستطيع أن تهبط في أعماق الأشياء».
وفي سنة 1956 أنهى خدمته الإلزامية وتزوج من خالدة سعيد وانتقلا إلى لبنان واستقرا في بيروت. وفي أواخر تشرين الأول 1956 في الأسبوع الأول من وصوله إلى بيروت التقى بيوسف الخال ومنذ لقائهما نشأت بينهما صداقة قوية، وكانت بدايةُ مجلة «شعر» أفقاً جديداً للشعر العربي. وكانا كمثل شخصين يسكنهما هاجس واحد من أجل قضية واحدة: «التأسيس لكتابة شعرية عربية جديدة». لقد كان يوسف الخال يطمح إلى وضع الشعر العربي من جديد على خارطة الشعر في العالم. وفي مطلع 1957 صدر العدد الأول من مجلة «شعر».
يقول أدونيس: «ضم العدد الأول، على سبيل المثال قصيدة تفعيلية حديثة للشاعر سعدي يوسف، وضمّت بالمقابل قصيدة لشاعر على طرف النقيض فكراً وشعراً هو بدوي الجبل، وهي قصيدة كلاسيكية من طراز نادر ورفيع. هكذا لكي تؤكد أنها ليست "قطيعة" مع التراث وليست "هدماً" له، وإنما هي أفقٌ آخر في شعرية اللغة العربية، وهو أفق يتآخى مع الآفاق الأخرى ومن ضمنها أفق الفترة التأسيسية، فترة ما قبل الإسلام. وكل ما ركّزَتْ عليه أن هذا الأفق الذي تفتتحه يُوسع حدود الشعر التي وضعها أسلافنا، ومن ثم يطرح مفهوماً آخر للشعر يتسع للكتابة خارج الوزن أو لكتابة الشعر نثراً، شريطة أن يخرج النثر من نثريته. ولهذا ركزت في هذا المفهوم على طبيعة اللغة الشعرية وعلى جماليتها، لا على الوزن».
وكانت المجلة تقيم ندوة أسبوعية باسم «خميس شعر» كان الشعراء المقيمون والضيوف العابرون يلتقون فيها، ويقرأ من يشاء منهم آخر ما كتبه أو بعض ما كتبه ثم يناقش الجميع في ما سمعوه، بحرية كاملة ومحبة كاملة. ودامت هذه الفترة من عام 1957 إلى 1963 وبعدها افترق أدونيس ويوسف الخال.
بعد «شعر» وبعد نكسة 1967 أصدر أدونيس ومن بيروت مجلة «مواقف» وكانت تعنى بالأنشطة الأدبية والثقافية الجديدة.
سنة 1973 حصل أدونيس على دكتوراه الدولة في الأدب من جامعة القديس يوسف في بيروت، وموضوع الأطروحة التي صدرت بعد ذلك كان «الثابت والمتحول».
بدءاً من عام 1981 تكررت دعوته كأستاذ زائر إلى جامعات ومراكز للبحث في فرنسا وسويسرا والولايات المتحدة وألمانيا، وتلقى عدداً من الجوائز اللبنانية والعالمية وألقاب التكريم، وتُرجمت أعماله إلى ما يقارب الثلاث عشرة لغة.
غادر بيروت في 1985متوجهاً إلى باريس بسبب ظروف الحرب وحصل سنة 1986 على الجائزة الكبرى ببروكسل، ثم جائزة التاج الذهبي للشعر في مقدونيا في تشرين الأول 1997.
كانت باريس الصدمة الأولى في زياراته لمدن العالم: قروي فقير لم يكن يحلم حتى برؤية دمشق أو بيروت، وها هو في باريس، لقد كان الواقع بالنسبة له مثل الحلم. يقول: «قد بقيت في باريس فترة لا أعيش إلا بوصفها حلماً. مرةً سرتُ منتشياً من برج ايفل إلى مقهى الدوماغو تحت رذاذ مطر خفيف. تبللت طبعاً ثيابي وجسدي واخترقت الماء والحصى نعل حذائي. وما كان أسعدني. ربما بسبب من سيطرة هذا السحر، لم أقدر أن أتابع دراسة الفرنسية في مدرسة «الأليانس»، فبعد أسبوع من دخولي إليها قررت أن أهجر الدراسة نهائياً. وغرقتُ في التعرف على المدينة حياً حياً وشارعاً شارعاً. غرقتُ كذلك في التعرف على شعرائها وكتّابها وعلى نشاطها الثقافي بقدر ما كنت أستطيع. وفي فترة قصيرة نسبياً -أقل من سنة- تعرفت على عدد من أهم الشعراء، ونشأت بيني وبين بعضهم صداقة لا تزال قائمة حتى الآن».
ولقد كانت باريس بالنسبة إلى أية مدينة أخرى غيرها مثل اللغة العربية إلى بقية اللغات. لقد كانت تحول دون دخول أية مدينة أخرى، كما اللغة العربية التي تحول دون أن تدخل إلى نفسه أية لغة أخرى. ففي طوكيو أُخِذَ بالأسواق الشعبية، في بكين وشنغهاي أُخِذَ بحسن الضيافة وهو يذكر أنه زار المركز الإسلامي ومسجده في بكين، فاستقبلته امرأة جميلة اسمها فاطمة كانت هي التي تشرف على شؤونه، وزار السور المشهور ووقف في الطواف عند نقطة لم يشأ أن يمضي إلى أبعد منها، وعلق المترجم ضاحكاً: «إنها النقطة بالضبط التي وصل نيكسون ولم يشأ هو أيضاً أن يمضي إلى أبعد».
أما نيويورك فهو يذكر أنها المدينة الثانية التي أحدثت فيه انقلاباً نفسياً وفكرياً بعد باريس، ويصفها على أنها «جهنم الفكر، جنة الحواس، في جسد واحد» وكتب عنها قصيدة «قبر من أجل نيويورك». تعرّف إلى موسكو وعرف فيها عدداً من شعرائها، وكذلك آلما آتا عاصمة كازاخستان وهي مدينة إسلامية، وعندما زار مسجدها أخذ الناس يلمسون ثيابه ويتبركون لأنه آتٍ من جهة المدينة المنورة. وهكذا انتهى إلى أن الشرق والغرب أشبه بمصطلحين جغرافيين وأنه حضارياً الكون واحد والفرق في هذه البقعة أو تلك فرق في الدرجة لا في النوع.
أما عن السياسة الغربية الأميركية على وجه الخصوص فهو يراها على أنها لا تحب هذا النوع من الكلام الشعري البسيط. فهي تريد على العكس أن «تُعَوْلِم» الكون في سوق واحدة تهيمن عليها، تريد أن تُذَوِّب «الشرق» في «الغرب» غربها، لا تريد أنداداً أو مشاركين أو محاورين وإنما تريد تابعين سامعين طائعين، وهي آخذة في تحقيق ما تشاء!!
في 2007، كان أدونيس أحدَ المرشحين لجائزة نوبل للآداب ولكن للأسف لم ينَلْها.
الجوائز التي نالها
جائزة الشعر السوري اللبناني: منتدى الشعر الدولي في الولايات المتحدة الأمريكية، 1971
جائزة جان مارليو للآداب الأجنبية: فرنسا، 1993
جائزة فيرونيا سيتا دي فيامو: ايطاليا، 1994
جائزة ناظم حكمت: تركيا، 1995
جائزة البحر المتوسط للأدب الأجنبي: فرنسا 1996
جائزة المنتدى الثقافي اللبناني: فرنسا، 1997
جائزة التاج الذهبي للشعر: مقدونيا، 1998
جائزة نونينو للشعر: ايطاليا، 1998
جائزة ليريسي بيا: ايطاليا، 2000