خذوا جَزركم
( للبالغين فقط ) ... بقلم : ياسر جاني
ملاحظة : منذ فترة وأنا لا أستطيع نوماً ، وإذا حدثني أحدهم ، فلا أبدي له فهماً ، وللحقيقة فإنني ظننتُ أن دواء حالتي هذه هو الكتابة ، لكنني في كل مرة ، كنت أمسك فيها قلماً ، أو أجلس أمام لوحة المفاتيح ، وأستذكر ألماً ، عساه يكون منطلقي إلى الكتابة ، كنت أحس بانقباض وامتعاض ، مترافقين مع امساك شديد في الرأس واليد ، بسبب أن أفكاري – والشكوى لله – أصبحت متداخلة مع بعضها ( مثل بواري الصوبا ) ، ومثل بواري الصوبا أيضاً ، فإنها كانت دائماً تتناهى إلى حيط !!
ولذا قررت ولحاجتي القصوى لأن أكتب شيئاً ، أن أتأمل في الصوبا التي بجانبي، وأن أتماهى بأفكاري معها ، وهاكم إذا تفضلتم :
********
الصوبا :
أخطأ زميلنا الطالب الضابط المجند ( نمر ذو الأسنان الحمر ) ساعة اعترف لأمه بالسر العسكري الخطير الذي ينص على كوننا لا نشبع من الطعام المخصص لنا أثناء الدورة ، على اعتباره ( أي الطعام ) بات يشبه كرة ثلج تتداولها مجموعة كبيرة من الأيدي !! ، ما حدا بقلبها الطيب ، أن يجعلها تحاول ملء حقيبته بصنوف الأطعمة الطيبة التي كانت تخبئها له لساعة حصوله على الإجازة الأولى ،ولكونه استطاع بعد جهد جهيد ، أن يقنعها بعدم جدوى ذلك ، إذ أن التعليمات تقضي بمنع إدخال أي شكل من أشكال الطعام إلى القطعة , فإنها اكتفت بأن خبأت له فقط كيساً من الجزر بين عدّة السباحة =( خمس شورتات ، ودزينة كاملة من الثياب الداخلية ) ، وقرأت عليها الآية الكريمة ( وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً.. ) على أمل أن يجد ابنها ما يسد به رمقه قبل أن ينام .
على الباب الرئيسي , وأثناء التفتيش , اكتشف الملازم الضاحك (اللغم ) وداربينه وبين ( نمر ) الحوار التالي :
الملازم الضاحك : ما هذا يا طالب ؟؟
نمر : جزر سيدي ، جزر !!
الملازم الضاحك : جزر يا طالب ؟ جزر ؟!! ... بنقوللكون :أرانب ، بتقولولنا : وحوش ، دخّلهم يا ( ؟حش ) .!!
ولذلك فإن نمر الذي اصطبع جسده كاملاً باللون الأحمر , أدرك أهمية عدم البوح بالأسرار العسكرية ، و أدخل جزراته ( بلا معنى ) ، ودخل .
*********
طاسة وكوع :
أدرك بعين الناقد لنفسي ، أنه كان بوسعي ان أحكي لك قصة ( نمر ) ، بعدد أقل من الكلمات والنقط ، لكن ولكوني لم أكتب منذ مدة طويلة فإنني أتأمل - يا قارئي الدافئ - أنك ستسامحني على فعلتي الشنيعة ، خصوصاً بعد ان أذّكرك بالمثل الشائع ( الكلام ما عليه جمرك ) ، وكأنما يتم تهريبه (أي الكلام ) عبر الحدود ،وأذكرك أيضاً بأن الحبر الذي استهلكناه لمناقشة ( قضية المازوت ) المزمنة ، كان يمكن – فيما لو تحول إلى مازوت – أن يحل القضية من أساسها !! .
أما لماذا بدأت بهذه القصة فأقسم لك أنني لا أعلم ، فانا وفي هذه الساعة سلّمت أصابعي لعقلي الباطن ، وللصوبا أيضاً ، ولا أعرف بالضبط إلى أين سأصل .
**********
*البوري الأول :
سنوات طويلة قضيتها وأنا أعرف معنىً مغلوطاً للديموقراطية ، مفاده : أنني كمواطن أمتلك حق السباب على الحكومة أو أي من أتباعها ، وفعلاً فإنني بمعرفتي الضئيلة بالديموقراطية ، والغزيرة بجميع أنواع المسبات والشتائم والتبليعات ، كنت أمارسها ( أي الديمو قراطية ) بالسر ، موقناً بحقيقة ( أن للحيطان آذان ) ، وللشبابيك عيون .
ثم جاء زمان الستلايت و الموبايل ، و تغيرت المفاهيم ، حاولت البرامج التلفزيونية شديدة الديموقراطية أن تقنعني أن الديموقراطية تعني حق التعبير ، وحق التصويت والمشاركة ، وما إلى ذلك من ( البِدع ) التي لم نكن نسمع بها أيام ( النافذة الواحدة ) ، لكنني ( تنح ) بعيد من قدامي ، ولم أقتنع ، فاكتفيت مثلاً يوم نالت ديانا كرزون لقب سوبر ستار العرب ببمارسة ديموقراطيتي على الطريقة القديمة ، وكذلك فعلت في ذلك الصباح الذي نمنا ليلته على كذبة ( ذبحناهم ) ، واستيقظنا على حقيقة الكراسي والدواليب والتماثيل المتدحرجة .
*******
*البوري الثاني :
أرسلت امريكا عساكرها من آخر الدنيا ، قال شو ، ليفرضوا الديموقراطية على شعوبنا , التي لا تحب الدكتاتورية وحسب ، بل وتموت بدباديبها ، لدرجة أن هذه الشعوب لم تكتفِ بمنح ورقة طابو الأرض للقائد الواحد الأحد ، بل ومنحته أيضاً حق الاستئثار بوجه القمر ، آخرِ قلاع أحلامنا . طبعاً هناك من يكذب ويقول أن أمريكا جاءت من أجل النفط , بالله عليك - يا قارئي الديموقراطي – ألا ترى معي أن النفط من يوم يومه كان يذهب برجليه إلى أمريكا بسعر مدعوم ، و أقلَّ بكثير مما تكلّفه الحرب الديموقراطية المقدسة اليوم ، وهل تظن أن جميع أصحاب القرار في أمريكا ينظرون إلى الدنيا بنفس منظار زعيمهم ؟؟ قول لشوف ، قول ، خليك ديموقراطي .
**********
*منشر غسيل :
هنا ، فانا لا أستطيع الاسهاب فيما يخص هذه الأسياخ الأفقية الست ، والمخصصة غالبا لنشر الثياب( الداخلية) ، وأتأمل منك مرة أخرى أن تعذرني – يا قارئي النظيف – إذ أنني – ومهما كنت َ غالياًعليَّ - لن أسمح لجيراننا أن ينشروا عَرضنا !! ما بينعطوا وش
*******
*البوري الثالث :
منذ صغري وأنا أحب التحليل والتركيب ،ولهذا- ربما - أصبحت كيميائياً ،لكن ولكوني لا أملك مخبراً أمارس فيه هوايتي وعملي كمدرس كيمياء ، فإنني غالباً ما أقوم – ككل العاطلين عن العمل – بالتحليل السياسي والفكري والاجتماعي وما إلى ذلك من التحليلات التي لا ناقة لي فيها ولاجمل , حتى ليظن من يسمعني أنني سأصبح في المستقبل مسؤولاً كبيراً . و لا أخفيك أنني أكره كل هذا ، لدرجة أنني شكوت أمري مرة إلى زميلي في المهنة ،و الذي تعاطف معي لكونه يعيش نفس العيشة ، وأخبرني أن الحالة تتعلق بعدم الاحساس بالجدوى ( كيميائياً ) ، مترافقاً مع زيادة عالية بالطاقة ( فيزيائياً ) ، ثم شرح لي كيف أن الإنسان فيما لو قمنا بتحليله كيميائياً فإننا لن نحصل سوى على بضعة ألواح من الطبشور ،وفحمتين صغيرتين ، وكمية قليلة من الاملاح ، والمعادن ، وسطل من الماء ، وأن سعر كل هذه النواتج في السوق العالمية لا يتجاوز نصف دولار ، طبعاً إلا إذا قامت احدى الشركات العامة بتعبئة الماء وبيعه ، فالسعر سيكون أقل من ذلك بكثير ، على اعتبار أننا الوحيدون في العالم الذين تاجرنا بالماء ، وخسرنا !!!!
*********
كوع :
من يومها لم تعد كل القضايا الكبرى في العالم تُهمّني ،ولم اعد أهتم لأخبار فلسطين والعراق ، ولا لكل النزاعات التي تشغل وتشغِّل وسائل الإعلام ، بل حملت قضية صغيرة على قدر إمكانياتي ، أن أجعل من يملكون السلطة في هذه الأرض يتوقفون عن النظر إلينا بمناظيرهم المغلقة وعيونهم المخبرية !!
*******
حيط :
عذراً - يا قارئي الصابر – فأنا كنت أتمنى للقائنا هذا نهاية غير هذه ، ولكنك للأسف ، سوري يعني ( بالإنجليزي هه ) , بتستاهل ،لأنك لم تنتبه أن جميع البواري التي قطعتها – يا مشحّر – كانت تمشي الحيط الحيط ، وأنها مهما طالت ستدخل فيه ( بلا معنى أيضاً ) ، لكن ولكونك وثقتَ بي لدرجة أوصلتك إلى هنا ، ولأنني لست القانون الذي لا يحمي أصحاب النوايا الحسنة فإنني سأراضيك ، وسأحكي لك نكتة قد تكون قديمة بعض الشيء ، وقد تكون سمعتها من قبل ، غير أني على ثقة أن تأويلها سيختلف لديك بعد كلِّ هذا :
( كان أحد أصحاب النوايا الحسنة يمشي الحيط الحيط ويقول يارب السترة ، إلى أن التقى بمجموعة كبيرة من الناس يقفون أسفل بناية قيد التحديث ، كان كل واحد منهم يحمل في يده جزرة ، ويرفع رأسه إلى الأعلى ، مطلقاً من فمه أقذع الشتائم ، وأوسخ المسبّات ،اقترب منهم وراح يسألهم لماذا ومن يشتمون ، إلا أنهم جميعاً كانوا ينظرون إليه شزراً ويهزّون رؤوسهم استغباءاً ،ثم يعودون ِلما تعوّدوا ، ولفضوليته المَرَضية ، قرر أن يعرف بنفسه ، فصعد إلى البناية ، في الطابق الأول لم يرَ أحداً ، في الثاني أيضاً لم يرَ أحداً ، في الثالث وما قبل الأخير ، وجد باباً ،دقّه بحذر شديدٍ ، فامتدت يدٌ سحبته إلى الداخل ليجد نفسه أمام أحد العلوج العنيفين الذي ضربه واغتصبه ، ثم أدخل له جزرة ( بمعنى هذه المرة ، أي: في فمه ) و رفسه رفسةً أوصلته إلى خارج الغرفة ، فما كان من صاحبنا سوى أن نزل إلى حيث سبقه أقرانه ، وحمل جزرته بيده ، ثمَّ :
بدي أفعل .... بدي أترك .... بدي ساوي .............)
بدي نام
بدك شي حبيبي ؟؟
[b][i]