سأحدثك، أيها الصديق الرياضي القح، (..رياضي بالفرجة، فقط، لأنك لا تستطيع أن تمشي خطوتين من دون طح، ونح، ولهاث)، أحاديثَ يشيب لهولها فَوْدا الطفل الرضيع، وحاجبا الصبية ذات الأربعة عشر التي تقول للقمر: (عليك أن تغيبْ- لأجلس مكانك كالرقيبْ)،.. أحاديثَ عن أشياءَ تجري في بلاد العربان التي تذهبُ فرقُها الرياضيةُ إلى المونديال، بعد أن يضعَ دافعُ الضرائب العربي دمَ قلبه، وما فوقه وما تحته، ليدربها، ويؤهلها، ويشتري لها المدربين، ويزوِّرَ لها جنسيات اللاعبين، وأعمارهم، ويفتح لها المعسكرات، ويحجز لها البطاقات، والتيكيتات، ثم يقرأ عليها (عمَّ يتساءلون)، و(تبارك)، و(تبت يدا) والمعوذتين، والصمدية،.. ثم يؤدي الخطباء العربُ الأشاوسُ (جمع أشوس، وهو الشخص المصاب بانحراف وحشي في عينيه) دورَهم التاريخي في الإشادة بإدارات النوادي، ورؤساء الاتحادات الرياضية، ووزراء الرياضة والشباب العرب، المعروفين بالتضحية، والغيرية، وسهر الليالي من أجل تطوير الرياضة في بلادهم، ويذكِّرون اللاعبين بالأمجاد الغابرة، والانتصارات العربية في القادسية، وحطين، وذات السواري، ومعركة عمورية (التي قال بحقها الشاعر خمسمئة بيت، ثم تركناه يقول بقية الأبيات وعدنا) ثم يُطلقون فرقهم باتجاه المونديال، لتصبح، منذ لحظة وصولها (مِفَشَّةً) لخلق الفرق العالمية، وتصبح مراميها وكأنها الغرابيل من كثرة الأهداف التي تخترقها، وتخردقُها خردقة!
سأحدثك (أيها الرياضي المدخن أكثر من الميكروباصات التي انبعجت فيها ترمبات الزيت، ومع ذلك يُسمح لها بالعمل ضمن مدننا المناضلة)، أحاديث لها علاقة بالرياضات العربية، من شأنها أن ترفع مستوى الدهشة لديك، ولدى القراء الأكارم، إلى المدى الأقصى،.. والدهشة، كما تعلم، هي دليل حياة، وصحة، وعافية، وغيابُها دليل مرض، وذبول، وموت، بدليل أن أستاذي الأديب الكبير الراحل حسيب كيالي قد كتب في أيامه الأخيرة قصة تحمل عنوان "مرض فقدان الدهشة"، جاء في مقولتها أن الدهشة قرينة الحياة، وما دون ذلك ينطبق عليه قول شاعر الفلاسفة وفيلسوفُ الشعراء، أبي العلاء المعري:
لقد أسمعتَ لو ناديت حياً
ولكن لا حياة لمن تنادي!
لن أحدثك عن الفرق العربية التي تساقطت، كما تعلم، (وهرهرت) في التصفيات الأولى على طريق المونديال، كما تتساقط أوراق الشجر في الخريف، ولا عن فريقي السعودية وتونس اللذين وصلا إلى ألمانيا وصولاً مشرفاً، ثم خسرا خسائر لم تكن مشرفة، كما زعم المتفائلون.. وإنما عن واقعنا الرياضي (بشكل عام)، المتردي، الذي لا يمكن أن نتجاوزه طالما محسوبك، أبو مرداس الإدلبي، على قيد الحياة، بدليل القصة التي رويت عن رجل حمصي خفيف الظل، يدعى أبو فرحان، زعموا أنه كان يمشي في أحد شوارع حمص المحروسة العدية وإذا ببوز قدمه يعلق بنتوء لريجار خاص بفتحة لمراقبة المجار ير، فتشقلب أبو فرحان شقلبتين، ووقع على رأسه نكساً، وبينما هو يعن، ويتوجع، ويتحسس جبينه ليرى إن كان قد أدمي أم لا،.. إذ رأى عموداً من الدخان لا يقل عن أربعة أمتار، يخرج من فتحة الريجار، تجلى، بعد قليل، على هيئة عفريت مارد، وقف أمام أبي فرحان باستعداد، وقال له:
-شبيك لبيك، (وطالما أن عصر العبودية لم ينته بل إنه يتطور) عبدُك بين يديك.
قال أبو فرحان، من دون تفكير: أبي، رحمة الله علاي، مات من خمسطعشر سنة، وأنا مشتاقلو، رجع لي ياه عالسريع إذا سمحت.
أمال العفريت رأسه على كتفه مثل المحكومين بالإعدام وقال:
-عفواً سيدي، إحياء الموتى ليس من اختصاصنا نحن العفاريت. أرجوك اطلب طلباً آخر.
قال أبو فرحان: على عيني. اسمع أخي، أنت بتعرف أنو سورية ما تأهلت للمونديال، بدي ياها في المرَّة الجاية تتأهل، وتجتاز كل الأدوار، وتصل إلى النهائية مع البرازيل، وبدي ياها في المباراة النهائية تفوز على البرازيل ستة صفر.
صفن العفريت طويلاً ولم يرد، فقال له أبو فرحان:
-شبك، بشو عم تفكر؟
فقال العفريت بلهجة حمصية مبينة:
-عم فكر بطريقة رجع لك أبوك، رحمة الله علاي!