" دون أي إحساس.
أحمل نفسي عبر الأيام."
حجر وجدار، مياه، جداول، بحر ورياح.... الرقص والسير والمعانات من الوحدة.... وأن تفقد الحياة وتموت، هذه هي رموز وصور الشاعر مارتين مرز في كل القصائد التي كتبها خلال حياته القصيرة.
مارتين مرز ( 1950 ـ 1983 ) شاعر ألماني لم يتمتع بحياته طويلا. ولد وكان يحمل في داخله أسباب موته المبكر، إذ اكتشف الأطباء بعد بضعة أيام من ولادته إصابته بمرض ( Hydrocephalus ) ما يطلق عليه باللغة العربية بالاستسقاء الدماغي ( عثرت على هذه التسمية في القاموس الألماني ـ العربي شراجله ). وكلما تمر السنين يزداد الرأس ثقلا ويبقى الجسم نحيفا غير قادرا على حمل هذا الرأس والسير به إلى حيث يريد... أسيرا بقى مارتين مرز ( مقيما في بيته )... حريته هي تلك الآلة التي كان يكتب عليها أشعاره والليل حيث تكون الأحلام بانتظاره.
لم يتمكن من الذهاب إلى المدرسة. تعلم القراءة والكتابة بأخذه دروسا خصوصية كانت تقدم له في البيت. كتب الشعر متأثرا بأخيه الشاعر كلاوس مرز، الذي قدم له أشعار باول تسيلان، روزا آوسليندر، انغابورغ باخمان، غينتر آيخ، اريكا بوركارت... الخ. عام 1968 صدر له ديوانه الأول " قصائد طفل " وبعد ثمان سنوات صدر ديوانه الثاني وهو يحمل اسم " غضب " وبعد ثلاثة سنوات جاء ديوانه الثالث " النهار لازال هنا، لم يهرب إلى المساء ".
في اليوم العاشر من شهر آذار عام 1983 مات مارتين مرز.
النصوص أدناه مأخوذة من المختارات الشعرية التي صدرت له عام 1983 أي بعد وفاته ( Zwischenland ) أي بين أرض وأخرى ( حد الفاصل بين... بين، ربما بين الموت والحياة ).
ضوء
الشمعة،
التي تضيء في الظلمة
وأنا لم أرها أبدا.
مريض
يهرب من عالم الخوف
يبحث
عن اثر لسعادته التي سقطت في الهاوية.
الأمواج
في الحلم.
ارمي نفسي
في الأمواج.
تجرفني إلى ساحل غريب
هناك ارقص
في لباس فضي،
وزهرة ذابلة في الشعر.
خطوات
هناك، حيث
الأيام لا تعرف أسمائها،
تدوي الخطوات
هكذا، كأنها تريد السقوط إلى العمق
وفي طرق ميتة
تقذفها بعيدا.
طرق ميتة،
آثارها في عمق الماضي
لازالت مرئية.
في جزيرة
البحر
يرغي و يهدر.
في وسط البحر
جزيرة،
رمال بيضاء
وأشجار خضراء.
خلفها
يختفي وهج الشمس المحرق.
واقف في ظل
متطلعا بصمت
هذه معجزة.
سفينة
بشراع ابيض تبحر من جانبي.
أغمضت عيناي،
كي يبقى للصورة أثر في الذاكرة
لا ينسى.
ذهب ولم يعد
ذهب دون أن ينبس بكلمة
هناك عندما ظهر القمر
خلف أشجار البرتقال.
لم أر سوى وجوه في الظل،
كانت قد ماتت منذ زمن.
تعيد الصورة لأشياء منسية
من جديد،
نراها،
وتتوارى
يحيطها الضباب.
حينها تصبح كل الأشياء ميتة.
أخاف من الحلم
تتثاءب الهوة.
سوف لن أنام بين الثانية والسادسة.
الصورة،
جبل
مظلما مثل الليل،
فجأة،
يتسلق من العمق.
حينما استيقظت،
رأيت فراشات ملونات تتطاير من حولي.
صورة مزاج يوم صيفي
الجسر الأزرق
أمر عليه في الحلم،
أزرق،
مزين باللون الأحمر والفضي
ولؤلؤا ذهبيا.
على بعد
حبوب جامدة من الشتاء الأخير.
كنت قد دفنت قدحا في الأرض
تحت شجرة الجوز.
هناك، الصيف بارد أيضا.
الجسر يقودني
في ظلمة.
هنا تغني العصافير لحنا حزينا.
تعال
تعال،
دعنا نذهب...!
النهار لازال هنا
لم يهرب إلى المساء.
الفانوس يضئ،
لينير لي الطريق إلى أماكن جديدة.
مارتين مرز
Martin Merz